ورغم أن الشاعر كان بعيدا كل البعد عن المشاركة السياسية، أو الانحياز صراحة إلى أي من الأحزاب السياسية المتصارعة آنذاك، إلا أن ثمة أعمالا اشترك فيها قد حسبت عليه بعد ذلك، رغم أنها مواقف إنسانية تنبع أساسا من حب الإنسانية والحيرة، ومن بين هذه الأعمال ما يلي:
إن الشاعر - عند مشاركته في الحفل الذي أقيم لتكريم زميله «رافاييل ألبرتي» بمناسبة عودته من زيارة لروسيا - قد ألقى بيانا للكتاب الإسبان ضد الفاشية.
انضمامه إلى الموقعين على بيان للاتحاد العالمي للسلام.
توقيعه على رسالة موجهة إلى رئيس جمهورية البرازيل، تطلب العفو عن القائد الثوري البرازيلي «لويس كارلوس برستس».
إدلاؤه بحديث إلى مجلة «المساعدة» لسان حال عصبة عمالية شيوعية.
اشتراكه في تكريم ثلاثة أدباء فرنسيين يمثلون الجبهة الشعبية في بلادهم، وهم: «أندريه مالرو» - «جان كاسو» - «لي نورمان».
الإعلان عن اشتراكه في حفل لتكريم «مكسيم جوركي» الكاتب الاشتراكي السوفيتي المعروف.
إن مثل هذه النشاطات العادية التي تنم عن حس إنساني عام، وروح الأخوة بين زملاء المهنة الفكرية الواحدة، يمكن أن تفسر في ظل ظروف متغيرة تفسيرات ملتوية، تلائم النفس المتعصبة ضيقة الأفق التي ملأها الحقد والغيرة سما زعافا، وكان هذا في الواقع هو ما حدث فعلا، وأحداث ذلك الصيف الدامي من عام 36 دليل واضح على ذلك، ورغم أن ما حدث للشاعر بعد وقوع الانقلاب الملكي في 18 يوليو 1936م، يلفه تيار من الشك والغموض والأساطير، وتعرض لتفسيرات عديدة متناقضة، إلا أنه يمكن استخلاص سير الحوادث على النحو التالي:
منذ إعلان الجمهورية في إسبانيا عام 1931م، شهدت غرناطة صراعات عديدة بين ملاك الأراضي الإقطاعيين، الذين يسيطرون أيضا على صناعات السكر في المنطقة الزراعية من غرناطة، وبين الفلاحين والعمال المنضوين تحت لواء الحزب الاشتراكي «الاتحاد العام للعمال»، وقد رأى هؤلاء الإقطاعيون في الجمهورية خطرا يتهدد وضعهم وثرواتهم وامتيازاتهم، فقرروا الانضواء تحت حزب من الأحزاب الملكية هو حزب «العمل الشعبي» الذي كان فرعه في غرناطة يصدر جريدة تعبر عنه باسم «إيديال»، التي أصبحت لسان حال تلك الطبقة، وكان في مقابلها الجريدة التي تعبر عن آراء الاشتراكيين والمثقفين في غرناطة، وهي «الحامي» التي يرجع تاريخ صدورها إلى عام 1879م، وكان اليمينيون المحافظون يكسبون في الغالب الانتخابات في المناطق الزراعية، حيث ملاك الأراضي ودهاقنة الإقطاع يضغطون على الفلاحين، كيما يصوتوا لصالح المرشحين اليمينيين، على الرغم من فوز اليساريين في حواضر تلك الأقاليم، كمدينة غرناطة مثلا، مما كان ينتهي إلى فوز اليمينيين بمقاعد الأغلبية المخصصة للإقليم كله في البرلمان، بينما يحوز اليساريون مقاعد الأقلية، وقد شهدت الأعوام من 1931م حتى انقلاب 1936م مصادمات عنيفة، ومناوشات لا تنتهي بين الفريقين وصحيفتيهما.
وفي انتخابات فبراير 1936م التي فازت فيها الجبهة الشعبية اليسارية بصفة عامة، فاز اليمينيون فوزا حاسما في غرناطة، ولكن المرشحين التقدميين طعنوا في صحة الانتخابات في غرناطة، وطالبوا البرلمان بإلغائها وإجراء انتخابات جديدة هناك، ووافق البرلمان على ذلك وتم إجراء انتخابات جديدة في 3 مايو 1936م، أسفرت عن فوز اليساريين بجميع المقاعد المتخصصة لغرناطة في البرلمان، وما يهمنا في هذا الشأن أن من بين المرشحين اليمينيين الذين فازوا في الانتخابات الأولى الملغاة، كان النائب المدعو «رامون رويث ألونصو»، الذي سيرتبط اسمه ارتباطا وثيقا بأحداث اعتقال لوركا وإعدامه كما سنرى لاحقا.
ناپیژندل شوی مخ