149

لورکا شاعر اندلس

لوركا شاعر الأندلس

ژانرونه

أزمانا طويلة

ولا في ثراء مخاطراتك

أغني لهذه الجلالة بكلمات كالأنين

وأذكر نسمة حزينة هفت بين أشجار الزيتون.

ومضى لوركا بعد فراغه من وضع قصيدة مصارع الثيران، يعمل في مسرحية جديدة هي «الآنسة روزيتا العانس أو لغة الزهور»، ويشرف على إعداد مسرحية «يرما» للعرض على المسرح، ويبدأ عرض تلك المسرحية يوم 29 ديسمبر 1934م في المسرح الإسباني بمدريد، بفرقة الممثلة «مرجريتا شيرجو ».

وفي مسرحية «يرما» - كما في سابقتها «عرس الدم» - يعالج الشاعر موضوعا ريفيا، وبطلها غير المنظور هو جو الاختناق والحصر والحسد، الذي كان يسود حياة الريف الإسباني أيامها، وبطلة المسرحية - يرما - تعيش مأساة تتمثل في عقم زوجها، وينشأ الصراع الدرامي من الزواج الذي لا ترى فيه زوجته سوى الأنثى التي تشبع رغبته، ومن يرما التي لا ترى فيه إلا الأب الذي يجب أن يهبها ابنا، وتتفاعل عواطف الزوجة التي تحلم بالابن من إحساسها الديني، الذي يحملها على الأمانة والإخلاص بين الزوجين، فهي لا تحب أن تخون زوجها لتشبع نهمها إلى الإنجاب، وتفضل في النهاية أن تقتل زوجها العقيم، في مشهد بلغ ذروته من العنصر الدرامي العنيف، إذ نرى فيه مأساة حياتها التي ترغب في إنهائها بإنهاء حياته، وهي إذ تقتله فإنما تقتل نفسها روحيا ورمزيا في نفس الوقت، إذ إنها بقتله تقتل كل أمل لها في الإنجاب، الذي تراه هو هدف حياتها وسبب وجودها.

ومسرحية يرما هي أول تراجيديا للمؤلف تقوم على قاعدة عريضة من الواقعية الدرامية، فبينما يسيطر على شخصيات «عرس الدم» شعور مشترك بالمشاطرة في قدر تراجيدي، يقع كل العبء التراجيدي في «يرما» على شخصية واحدة تتحمله وحدها، وهي البطلة يرما ... ويرى الناقد الأمريكي «أدوين هونيج» أن «يرما» هي أعظم إنجاز في مسرح لوركا كله من الناحية الأخلاقية والدرامية على حد سواء، وأن شخصية «يرما» ترتفع من مجرد رمز لمشكلة إنسانية إلى تجسيد حي لشخصية تراجيدية، لها كل الأبعاد الدرامية المطلوبة.

وغداة الاحتفال بمرور مائة ليلة على عرض المسرحية، يصرح لوركا لأحد الصحفيين بحديث يشكل الآن لغزا أدبيا في حياة الشاعر، إذ إنه يقول إنه قد انتهى تقريبا من الجزء الثالث من الثلاثية الدرامية وهو باسم «دمار سدوم»، ويقفز الآن سؤال عن ذلك العمل المسرحي، إذ إن لوركا لم يقرأه على أحد من أصدقائه، كما أنه لم يخلف وراءه أي مخطوط يحمل ذلك الاسم، فهل يا ترى كان يلمح عند ذكره للجزء الثالث إلى مسرحية «بيت برناردا ألبا»، التي تعد بالفعل الحلقة الثالثة في ثلاثيته الأندلسية؟ أم أنه كان يقصد به عملا آخر مفقودا الآن؟ وثمة احتمال آخر، هو أن ذلك العمل كان لا يزال مجرد فكرة في ذهن الكاتب، حمله حماسه المعروف عنه إلى الإعلان عن قرب انتهائه منه، ذلك أننا نجده يصرح في حديث له نشر في مجلة «الصوت» في 18 فبراير 1935م أنه يخطط لعديد من «المسرحيات الدرامية ذات الطابع الإنساني والاجتماعي، وثمة مسرحية منها تناهض الحرب»، كما أنه يتحدث أيضا عن مشروع عمل أدبي آخر عن القديسة الصوفية «سانتا تيريزا»، غير أن الوقت لم يتح له ولا المزيد من العمر كيما يحقق تلك المشروعات الأدبية، وفي نفس تلك المقابلة الصحفية، نجده يقول عن مهنته: «أحيانا، حين أرى ما يحدث في الدنيا، أتساءل لماذا أكتب؟ ولكن ... يجب الاستمرار في العمل، والمضي فيه قدما، العمل، ومد يد المساعدة إلى من يستحق، العمل حتى ولو ظن المرء أنه يعمل بلا طائل، العمل كشكل من أشكال الاحتجاج، ذلك أنه يقيم العمل، فليس أمام المرء إلا أن يصرخ كل يوم عند الاستيقاظ من النوم، في عالم مليء بالظلم والبؤس من كل شكل ونوع: إني أحتج! إني أحتج! إني أحتج!»

وتزخر المسارح الإسبانية في ربيع عام 1935م بمسرحيات لوركا المختلفة، ويجد الشاعر نفسه وفنه يعود عليه لأول مرة بالكسب المادي الذي يفيض عن حاجته، ولكنه كان ينفق كل ما يصل إلى يده من مال، وكان يراوده حلم لم يتمكن آخر الأمر من تحقيقه، وهو أن يكون له بيت خاص به، يشيده ويؤثثه على ذوقه، يكون مواجها للبحر الأبيض في شاطئ مالقة، بيد أنه يظل قاطنا شقته الجميلة، 102 شارع القلعة بمدريد، التي تغمرها الشمس، في طابق عال، وذات شرفات على الجانبين، حيث كان يعيش سعيدا، يستقبل زواره من الأدباء والفنانين بالبيجامة صيفا وبالروب دي شامبر شتاء!

وتعبر شهرة لوركا حدود العالم الإسباني إلى فرنسا وإنجلترا، حيث يذيع راديو باريس ترجمة لمسرحية يرما، وتصدر ترجمة إنجليزية لمسرحية «عرس الدم» تحت عنوان:

ناپیژندل شوی مخ