إبراهيم، لم يطلب زيادة عليه تصريحًا، لكن أومأ إليه بذكر هاتين اللفظتين؛ لأن المجد في اللغة الزيادة والكثرة، تقول العرب: في كلِّ شجرة نار واستمجد المرخ والعفار".
أقول: لا أرى هذا جيّدًا؛ فإن النبي ﵌ أكرم من أن يدع أمرًا تأدُّبًا ثم يرجع فيه. وما أشبه هذا بقوله ﵌: "ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين" (^١).
نعم، قد يقال: ليس طلب الزيادة بمخلٍّ بالأدب في نفس الأمر بالنسبة إلى مقام الأنبياء ﵈، فقد نزَّههم الله ﷿ عن الحسد، فلا يتأذّى أحدهم بطلب غيره زيادةً عليه، ولاسيّما بعد الموت والخروج من الدنيا، فإن نفوس أفراد المؤمنين تتطهَّر من مثل هذا، فضلًا عن الأنبياء ﵈، ولا سيّما خليل الرحمن مع ولده محمد ﵌. ولكن خشي محمد ﵌ من التصريح بطلب الزيادة أن يفهم بعضُ الناس من ذلك نقصًا في رتبة إبراهيم ﵊.
فَترَكَ التصريح بذلك، وأشار إليه، على ما هو المشروع للإنسان من علوّ الهمة، وأن يوسع رغبته في فضل الله تعالى بقدر الإمكان. وقد قيل: القناعةُ من الله حرمان.
(^١) أخرجه أبو داود (٢٦٨٣، ٤٣٥٩)، والنسائي (٤٠٦٧)، والحاكم (٣/ ٤٥) من حديث سعد بن أبي وقاص. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، لكن في إسناده أحمد بن المفضل القرشي، لم يخرج له مسلم، وهو صدوق في حفظه شيء، وصححه ابن الملقن، وقال الحافظ ابن حجر: "إسناده صالح". انظر "البدر المنير": (٧/ ٤٤٩ - ٤٥٠).