دخلت في غيبة من أول الليل ... علت الزرقة شفتيها ... بردت أطرافها ... جعل جسمها يرشح بعرق بارد لزج ...
سمعتها تقول تارة: إلى متى ...؟ وتارة: يكفي ... وتارة: يا خليل! ... وفي صباح اليوم - الثلاثاء - جاء الطبيب، ففحصها فحصا يسيرا، وعلى وجهه علائم اليأس، فقالت له: «لماذا تركتني؟» وهي آخر كلمة قالها المسيح وهو على الصليب يخاطب أباه في السماء!
وبعد أن خرج الطبيب من غرفتها سألت: ماذا قال؟ كأنها أحست، أو قرأت على وجهه ووجوهنا أنها في خطر. فسألت ماذا قال؟ لعلها تطمئن أنها عائدة إلى الحياة. ثم رجعت إلى الغيبة. وفي الساعة العاشرة والربع فارقت الحياة.
شاع الخبر، فأسرع الأهل والأصدقاء يشاركوننا في الحزن. •••
كنت أخاف أن تثقل وطأة هذه المصيبة على أولادنا: سري ودمية وهالة، ولكنهم تلقوها بشجاعة ورزانة، وكانت دمية وهالة تقولان لي: انظر يا أبي كأنها نائمة! انظر ما أجمل ضجعتها! انظر كيف تبتسم!
وفي صباح الغد - الأربعاء - وضعناها في تابوتها، وغمرناها بالزهور، فلم يظهر غير وجهها الجميل الذي زاده الموت جمالا.
ولما حانت الساعة التاسعة، وكانت موعد الجنازة، جاء الأهل والأصدقاء ليحملوها إلى عربة الموتى، فأبيت عليهم إلا أن نحملها: أنا وولدي سري وأخواها يوسف ونجيب؛ فهذا واجب نحن أحق الناس بالقيام به.
مشينا إلى كنيسة القطمون، لأن سريا وأختيه قالوا إن أمهم قالت إذا ماتت فلتكن الجنازة في كنيسة القطمون، فلم يسعني إلا أن أحترم إرادتها المقدسة، ثم خرجنا من الكنيسة، وسرنا إلى مقبرة صهيون حيث أنزلناها في مقرها الأخير، في قبر أبي.
لقد كنت يا سيدتي أم سري ربة الدار في دنياك، فأصبحت ربة الدار في أخراك. فأنت ربة الدارين!
قفا نبك
ناپیژندل شوی مخ