129

Letters of Sunna and Shia by Rashid Rida

رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا

خپرندوی

دار المنار

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

١٣٦٦ هـ - ١٩٤٧ م

د خپرونکي ځای

القاهرة

ژانرونه

الألوف من الناس «ألا فليبلغ الشاهد الغائب»، وهو مكرر في الصحيين وغيرهما، وفي بعض الروايات عن ابن عباس «فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته: فليبلغ الشاهد الغائب» الخ وحديث «بلغوا غني ولو آية» رواه البخاري في صحيحه والترمذي ولولا ذلك لما انتشر الإسلام ذلك الانتشار السر يع في العالم.
بل زعم بعضهم - كما قيل - أنه ﷺ عزل أبا بكر من إمارة الحج وولاها عليًا. (١)
وهذا بهتان صريح مخالف لجميع الروايات في مسألة عملية عرفها الخاص والعام، والحق أن عليًا كرم الله وجهه كان مكلفا بتليغ أمر خاص (٢)
وكان في تلك الحجة تابعأً لأبي بكر في إمارته العامة في إقامة ركن الإسلام الاجتماعي العام، حتى كان أبو بكر يعين له الوقت الذي يبلغ فيه. يا على قم فبلغ رسالة رسول الله ﷺ كما تقدم التصريح به في الروايات الصحيحة، كم أمر بعض الصحابة بمساعدته على هذا التبليغ كما تقدم في حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما.

(١) جاء في بعض الروايات الشيعية المصدر: أنه «لمّا بعث رسول الله ﷺ ببراءة مع أبي بكر وأنزل الله عليه: تترك من ناجيته غير مرّة، وتبعث من لم أناجه؟!»
ولاحظ أخي القارئ هنا: أنّ الله - بزعمهم - عاتب رسول الله، وبيّن خطأه.. وهذا يناقض دعوى العصمة المطلقة التي يصفون بها الرّسول والأئمّة.. ثم تقول الرواية: «فأرسل رسول الله ﷺ فأخذ براءة منه ودفعها إلى علي ﵁ فقال له علي: أوصني يا رسول الله، فقال له: إنّ الله يُوصيك ويناجيك، قال: فناجاه يوم براءة قبل صلاة الأولى إلى صلاة العصر» . أمالي الصدوق: (٤٤٤)، بحار الأنوار للمجلسي ٣٩/١٥٥.
والظاهر أنه عزَّ على القوم أن يبعث النبي ﷺ الصديق ﵁ ابتداء؛ لذا فالرواية التي تقول بأن النبي ﷺ بعث أبا بكر ﵁ بسورة براءة إلى المشركين ثم عزله وأخذها منه ودفعها إلى علي ﵁ لم تسلم من رد القوم لها، فرووا أن الباقر قال: «لا والله ما بعث رسول الله ﷺ أبا بكر ببراءة، أهو كان يبعث بها ثم يأخذها منه؟! ...» إلخ الرواية. انظر: تفسير العياشي (٢/٨٠)، نور الثقلين (٢/١٨٠)، تفسير البرهان (٢/١٠١)، بحار الأنوار (٣٥/٢٩٥) .
وهناك روايات تذكر أن عليا ﵁ كان يحتج ويعتذر ليذهب هو بكونه أصغر سنًا من النبي ﷺ، كما جاء في بحار الأنوار (٣٥/٣٠٣) يوم أن أرسله النبي ﷺ بسورة براءة، فقال لرسول الله ﷺ: «إنك خطيب وأنا حديث السن»، فقال النبي ﷺ: «لابد أن تذهب بها أو أذهب بها»، فقال علي ﵁: «أما إذا كان كذلك، فأنا أذهب يا رسول الله» .
(٢) أى نبذ عهود المشركين، كما هو مفصل في التفسير. (ر)
أقول: يؤيد مفهوم التبليغ الذي ذكره المؤلف ﵀ ما أخرجه البخاري (١٦٠٢) عن أبي هريرة ﵁ أنَّه قال: (بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى ألاَّ يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) قال حميد بن عبد الرحمن ثمَّ أردف رسول الله ﷺ عليًّا فأمره أن يؤذن ببراءة قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر..) .
حديث ابن عباس يرويه مقسم عنه قال: (بعث النبي ﷺ أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ثم أتبعه عليا فبينا أبو بكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله ﷺ القصواء فخرج أبو بكر فزعا فظن أنه رسول الله ﷺ فإذا هو علي فدفع إليه كتاب رسول الله ﷺ وأمر عليا أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجا فقام علي أيام التشريق فنادى: ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك فسيحوا في الارض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوت بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن وكان علي ينادي فإذا عيي قام أبو بكر فنادى بها) . أخرجه الترمذي.
وله شاهد مرسل من حديث أبي جعفر محمد بن علي ﵃ بنحوه وفيه: (فخرج علي بن أبي طالب ﵁ على ناقة رسول الله ﷺ حتى أدرك أبا بكر بالطريق فلما رآه أبو بكر قال: أأمير أم مامور؟ فقال: بل مأمور ثم مضيا فأقام أبو بكر للناس الحج. . . حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب ﵁ فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله ﷺ فقال. . . .) الحديث. أخرجه ابن إسحاق في (السيرة) (٤ / ١٩٠) بسند حسن مرسل.
وعن زيد بن أثيع قال: (سألت عليا ﵁ بأي شئ بعثت - يعني يوم بعثه النبي ﷺ مع أبي بكر ﵁ في الحجة؟ قال: بعثت بأربع لا يدخل الجنة الا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين النبي ﷺ عهد هده إلى مدته ولا يحج المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا) . أخرجه الترمذي (١ / ١٦٥، ٢ / ١٨٤) والدارمي (٢ / ٦٨) وأحمد (١ / ٧٩) والحميدي (٤٨) كلهم عن سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن زيد به وقال الترمذي: (حديث حسن ورواه الثوري عن أبي اسحاق عن بعض أصحابه عن علي) .
قال الحافظ في الفتح ٨/٣٢٠ كتاب التفسير باب ﴿وأذان من الله ورسوله ...﴾: «وأخرج أحمد بسند حسن عن أنس أن النبي ﷺ بعث ببراءة مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الحليفة قال: لا يُبَلِّغُها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي، فبعث بها مع علي» . (المسند ١٣/٤٣٤ رقم ١٣٢١٤) .
قلت: وأخرجه الترمذي في سننه ٥/٢٧٥ رقم ٣٠٩٠ والنسائي في خصائص علي (٧٠) ولفظ الترمذي: «لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهل بيتي فدعا عليا فأعطاه إياه» . وقال: «حسن غريب من حديث أنس» .
قلت: وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات غير سماك بن حرب، فقد قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة فكان ربما يلقن. (التقريب رقم ٢٦٢٤) .
قلت: روايته هنا عن أنس بن مالك ﵁ وليست عن عكرمة، فهاتان روايتان تبينان ما بلغه علي ﵁ وهما نص في هذا الأمر.
ويؤكد كون الحديث مخصوصًا بنبذ العهد ما ثبت من كون النبي ﷺ قد بعث قبل هذا الحديث وبعده عددًا من الصحابة مع بعض الوفود القادمة عليه غير عليّ ﵁ بعد هذا الحديث كمعاذ بن جبل ﵁ إلى اليمن، وكذلك قبل هذا الحديث ولا أدل عليه من بعثه مصعب بن عمير ﵁ إلى أهل المدينة قبل مقدمه ﷺ، وكل هذه البعوث لتبليغ الناس دين الإسلام ودعوتهم له، فبان بحمد الله بطلان كون هذا التبليغ مطلقًا، بل هو تبليغ مخصوص لنبذ العهد فقط والأحاديث إنما تدل على أن بعث النبي ﷺ عليًا إنما كان تأييدًا لأبي بكر ﵄ لا تبديلًا له، ولا تأميرًا عليه، بل كان أبو بكر هو أمير الحج، وعلي داخل تحت إمرته.

2 / 9