216

Lessons of Sheikh Mohammed Al-Duwish

دروس الشيخ محمد الدويش

ژانرونه

الحاجة إلى الكلام عن شمائله ﷺ
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا ﷺ عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، اصطفاه ﵎ ليحمل الرسالة للناس إلى قيام الساعة، وليكون ﷺ هو داعي التوحيد وداعي الله ﷿، فمن لم يجبه وقد سمع به من هذه الأمة لم يدخل الجنة، فصلى الله عليه وعلى آله وإخوانه إلى يوم الدين، وحشرنا في زمرته وأوردنا حوضه، إنه ﵎ سميع مجيب.
أيها الإخوة يشعر المتحدث حين يريد الحديث عن سيرة هذا النبي العظيم، وعن خلقه وعن شمائله ﷺ، يشعر بالرهبة، ويشعر أنه مهما تحدث فلن يوفي الحديث حقه، وأنى لبشر مقصر أن يوفي حق المصطفى ﷺ الذي اختاره الله ﷿ وهو ﵎ يخلق ما يشاء ويختار.
نشعر اليوم أيها الإخوة أن الأمة وأن العالم أجمع بحاجة إلى أن يُبرز أمامه هذا النموذج، وأن تُفتح له هذه الصفحات من سيرة النبي القدوة ﷺ، ونحن نعيش في وسط تسيطر فيه الأنانية والفردية، في وسط تتشعب فيه الأهواء بالناس، وحتى الصالحون يصيبهم ما يصيبهم من حظوظ النفس، ومن الأهواء، ويسيء المرء الخُلق وهو يحسب أنه يُحسن صنعًا، وما أعظم المقولة التي قالها ﷺ حين استأذنه رجل فقال ﷺ: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة) فلما دخل هش له ﷺ وبش، فقيل له في ذلك؟ فقال ﷺ: (شر الناس من ودعه الناس اتقاء فحشه) عافانا الله وإياكم.
إنها صورة ونموذج قد يتمدّح به البعض وأنه يستطيع بلسانه أن يُخرس الناس، يستطيع أن يسفههم، يستطيع أن لا يدع أحدًا يفوه بكلمة بعد ذلك، وحينئذ يخاف الناس فُحشه في مقالته وفي كتابته وفي حديثه، هؤلاء عافانا الله وإياكم هم من شر الناس، وأبعد الناس عن منهج النبي ﷺ صاحب الخلق العظيم.
أيها الإخوة أشعر ونشعر جميعًا أننا بحاجة إلى الحديث عن خُلق النبي ﷺ، وطالما أردت الحديث عن هذا الموضوع، لكني أشعر أني أُقدِّم رجلًا وأؤخر أُخرى؛ لأني أشعر أنني حين أتحدث عن أي جانب من جوانب خلق النبي ﷺ فإني أنادي على نفسي بفقدان هذا الخلق وهذا النموذج، إن الناس يرون منا خلقًا ويرون منا سلوكًا، وحين نحدثهم عن هذه الأخلاق يرون صورة أخرى غير تلك التي يرونها عنا، لهذا كنت أرى وأعتقد أن حديثي عن خُلق النبي ﷺ وعن الخلق الحسن إنما هو شهادة إدانة، فكنت أُحجم عن الحديث في هذا الموضوع، مع أن الحديث عن هذا الموضوع وهذا الجانب لا يعوز طالب علم مهما كان ومهما قل شأنه ومهما قل اطّلاعه.
إنك حين تقرأ في كتاب من كتب السنة، أو كتب سيرة النبي ﷺ، أو كتب الشمائل فستجدها مليئة بالشواهد الناطقة على خلق هذا النبي ﷺ، ولن تحتاج أن تتصفح أبواب الآداب والأخلاق والشمائل، بل وأنت حين تقرأ في أبواب الأحكام، حين تقرأ في أبواب العبادات، حين تقرأ في أي باب من الأبواب ما روي عن هذا النبي ﷺ، فإنك سترى هذه المرويات كلها تنطق بخلقه ﷺ، كلها تشهد لهذا المعنى العظيم الذي وصفه به ربه ﵎: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:٤] وما وصفته به عائشة ﵂ بقولها: (كان خلقه القرآن).
ولكن الإخوة اختاروا هذا الموضوع فرأيت أن أتحدث عنه، ولو لم يختاروه ويلزموني به لما كنت أتحدث عنه، لا لأني أرى أنه ليس ذا بال وأهمية، بل لأني أشعر أننا نعاني كثيرًا من التقصير في أخلاقنا، من التقصير في اتباع منهج النبي ﷺ في خُلقه وسلوكه، وأننا حين نتحدث عن هذه الجوانب فإننا ندين أنفسنا، ويرى الناس واقعًا غير ذاك الذي نقول لهم، فنسأل الله ﷿ أن لا يجعلنا من أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون.
لكن عزاءنا أن نعلم أن النبي ﷺ رجل اختاره الله ﷿ من بين الناس، واصطفاه ﵎، حتى إن الجيل الأول والرعيل الأول ما كان يمكن أن يبلغ منزلته ﷺ في الخُلق والقدوة، كيف لا وهو القدوة للبشرية جمعاء! حين نتحدث عن هذا الموضوع فإننا لن نستطيع أن نوفيه حقه، بل ولن نستطيع أن نأتي بجميع جوانبه، ويشعر المتحدث بالحيرة حين يريد الحديث عن خُلق النبي ﷺ، عن ماذا يتحدث؟ إنك لو أخذت جانبًا من الجوانب، مثل جانب الرحمة، أو جانب الحياء، أو التواضع، أو الكرم والجود والسخاء، أو الصبر أو كظم الغيظ، لو أخذت جانبًا من جوانب الخلق وتصفحت كتب السنة، لوجدت أن المقام يضيق عن أن تتحدث عن هذا الجانب وحده، أو أردت أن تدون شيئًا من ذلك لوجدت أن المقام يضيق، ولهذا فإن الذين ألفوا في شمائل النبي صلى الله

8 / 2