الملاحم والفتن وواجب المؤمنين في ذلك الزمان
قال الله ﷿: «حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا» أي: حتى ينتهي الجهاد، ولا ينتهي الجهاد حتى ينزل المسيح ﷺ كما وصف النبي ﷺ: (يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، وإمامًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية)، وعندها لا تبقى ملة في الأرض غير ملة الإسلام؛ ذلك أن عيسى ﷺ يميت الكفار بنَفَسِه كما قال النبي ﷺ: (فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسه -ريح نفس عيسى ﷺ إلا مات، ونَفَسه ينتهي حيث ينتهي طرفه) أي: أن رائحة المسيح تبيد الكفار حتى مد بصره، قال: (فيطلب عدو الله -أي: الدجال - فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، قال: فلو تركه لذاب، ولكن يقتله بحربته، ويريهم دمه بحربته).
والأحاديث قاطبة تدل على أن الملاحم الكبرى هي حول بيت المقدس بالشام، فملحمة قبل الدجال مع نصارى الغرب، وذلك بالأعماق أو بدابق كما وصف النبي ﷺ، وملحمة عقب الدجال زعيم اليهود وملكهم، وإلههم المنتظر، فالأمم الثلاث تنتظر المسيح: اليهود، والنصارى، والمسلمون، فأما اليهود فقد كذبوا المسيح وكذبوا محمدًا ﷺ، فمسيحهم الذي ينتظرونه هو مسيح الضلالة، وكذا النصارى فإنهم ينتظرون مقْدَمًا ثانيًا للمسيح لكنهم يعتقدون ألوهيته، فإذا ادعى الدجال الألوهية اعتقدوه كذلك، فتابعوه أو تابعه بعضهم؛ لأن المقتلة العظيمة ستكون قبل ذلك.
وأما أهل الإسلام فهم الذين شهدوا أن المسيح عبد الله ورسوله، فكذبوا الدجال، وصدقوا المسيح ابن مريم.
وعندما يقتل الدجال يقتل معه اليهود، وهذا دليل على أن نهاية هذا الصراع لن تتم أبدًا بالمفاوضات والمساومات ورحلات السلام وغيرها قطعًا، فلا بد أن نصدق بما نزل على محمد ﷺ، ومما نزل عليه ﵊: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [المائدة:٨٢]، ويدخل مع الذين أشركوا الذين ﴿قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ [المائدة:٧٣]، والذين قالوا: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة:١٧].
وأما الموحدون من النصارى الذين بلغهم خبر رسول الله ﷺ وآيات القرآن فصدقوا وآمنوا به، وبكوا مما عرفوا من الحق، فهم الأقرب مودة للذين آمنوا كما وصف الله ﷾.
ومما نزل على محمد ﷺ قوله: (لا تقوم الساعة حتى يقتتل المسلمون واليهود، فيقتل المسلمون اليهود حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).
وقال ﷺ: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة)، وهذا دليل على وجود قوة وشوكة وجنود تبلغ الآلاف من اليهود قبيل الدجال، ولو نظرنا في تاريخ اليهود لما وجدنا جنودهم تبلغ سبعين ألفًا في أي عصر من العصور، منذ بعثة النبي ﷺ وإلى يومنا هذا، والله ﷿ أعلم متى يكون ذلك.
ونحن لا نجزم بتوقيت معين لوجود هذه المعارك، ولا ندعي علم الغيب، ولكن أشراط الساعة التي أخبر بها النبي ﷺ قد كثرت، فلا بد إذًا أن نعد لزمان الفتن عدته، وأن نبادر بالأعمال، كما أمر النبي ﵊: (بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا).
فالواجب المبادرة إلى الأعمال الصالحة حتى يقع ما أراد الله شرعًا، وحتى يرى الله ﷾ الإيمان من أهل الإيمان: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران:١٤٠] قال ابن عباس: ليرى، ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران:١٤٠ - ١٤١].
أقول قولي هذا وأستغفر الله.
17 / 6