165

Lessons by Sheikh Yasser Burhami

دروس للشيخ ياسر برهامي

ژانرونه

علامات صدق التوكل الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﵌. أما بعد: فإن من علامات صدق التوكل على الله: أن لا يفرح الإنسان بإقبال الأسباب، وأن لا يضطرب عند فقدها، بل يكون ساكنًا، أي: قد نزلت عليه السكينة من الله ﷿ لإيمانه وتوكله، كما كان النبي ﷺ حين أتاه المشركون وهو في الغار، حيث قال ﷾: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:٤٠]. وحين قال له الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، قال الله ﷿: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران:١٧٣ - ١٧٤]. ومع أن مواقف الشدة واجتماع الأحزاب وتكالب الأعداء تجعل أكثر القلوب في خوف وهلع، إلا أن رسول الله ﷺ وطائفة المؤمنين الكمل معه الذين أنزل الله سكينته عليهم كانوا في حالة أخرى، كما قال الله ﷿ عنهم: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٢٢]. وهذا الذي كان عليه النبي ﷺ، فقد كان قمة شامخة، وفاض من قلبه من السكينة التي أنزلها الله عليه وعلى قلوب أصحابه ما سكنهم وثبتهم الله ﷿ به، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح:٤]، وذلك في مرات عديدة في مواطن الشدة، وهذا أمر عجيب، حيث يكون اجتماع الأعداء، إحداق الخطر، وتجد الأسباب كلها تقتضي هلاك العبد، ومع ذلك ينزل عليه من السكينة ما يجعله لا يعبأ بالخلق، فالنبي ﷺ في يوم أحد، وفي ليلة الأحزاب، وفي فرار الناس عنه يوم حنين، وفي يوم الحديبية يوم البيعة حين بلغه أنه قد قتل عثمان، في ذلك كله نزلت عليه سكينة، وأفاضها الله تعالى على قلوب أصحابه، بل تفيض على قلوب المؤمنين في كل زمان ومكان، فإن من سمع هذه المواقف وتدبرها نزلت عليه سكينة من الله ﷿، فينزل الله ﷿ السكينة في قلوب المؤمنين بمعرفة مواقف الرسل الكرام، وانظر وتأمل في مواقف موسى في مواجهة فرعون، فإن فعلت تنزلت عليك السكينة؛ لأن موسى ﷺ أيده الله بقوله: ﴿لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:٤٦]، وهو ﷾ مع المؤمنين أيضًا عند كمال التوكل عليه، واستحضار معيته ﷿، وأنه ﷾ ناصر عباده، ومعل كلمته، فهذا كله يجعل الإيمان يستقر في القلب، ويجعل السكينة تتنزل، فلا يحصل اضطراب عند إدبار الأسباب المحبوبة، ولا يحصل فرح عند إقبالها، ولا يحصل خوف ولا قلق عند وجود الأسباب المكروهة، بل يوقن العبد أن الله آخذ بنواصي العباد، وبذا يغري أعداءه بأن يفعلوا ما يريدون، كما قال هود ﵇ ﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود:٥٤ - ٥٦].

14 / 13