165

Lessons by Sheikh Safar al-Hawali

دروس للشيخ سفر الحوالي

ژانرونه

الغلو والتفريط في محبة الرسول وقد قال ﷺ في حديث عبادة بن الصامت في الصحيحين: ﴿من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أدخله الله الجنة على ما كان من العمل﴾ والشاهد فيه قوله: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله)، فهذه هي الشهادة التي استهان بها من ضل في محبته ﷺ، فقالوا: كل الناس يقولون هو عبد الله ورسوله، ونحن نريد شيئًا جديدًا وخيل إليهم أنهم بغير ذلك يعظمونه ويعزرونه ويوقرونه، وكأن هذا لا يكفي، مع أن النبي ﷺ إنما نص عليه، ولهذا قال العلماء في شرح هذا الحديث: إن هذا الحديث تضمن الرد على الطائفتين المنحرفتين في شأنه ﷺ، الطائفة التي غلت فيه، والطائفة التي قصرت في حقه وفي محبته ﷺ، فهذه فكلمة (عبده وسوله) عظيمة غير هينة، كيف ذلك؟ أقول: قوله (عبده): هذه الكلمة هي أعظم مدح يمدح به النبي ﷺ وهو أن يكون عبدًا لله ﷾ مع تضمنها ألا يزاد عن قدره، لأنه مهما كان فهو عبد، فالعبودية هي أخص أوصافه ﷺ، فإذا قيل عبد الله ورسوله فهو ينصرف إلى النبي ﷺ كما في حديث الشفاعة، عندما قال عيسى ﵇ عندما جاءه الناس يستشفعون به: ﴿اذهبوا إلى محمد ﷺ، عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر﴾، ولما خير رسول الله ﷺ بين العبودية والرسالة وبين الملك والرسالة، فاختار أن يكون عبدًا رسولًا، فالعبودية أكبر من الملك وأكبر من كل شيء، قد وصفه الله بالعبودية في أعظم وأشرف أحواله، فقال جل شأنه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ [الإسراء:١] فلم ينل أحد من المخلوقين الدرجة التي نالها النبي ﷺ في ليلة الإسراء، فهذه الحادثة العظيمة العجيبة التي لم يبلغها أحد، قال الله في وصفه وهو يخبر عن هذا الحدث العظيم: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء:١] أي: كامل العبودية الذي استحق هذه المنقبة وهذه المفخرة العظيمة التي لم ينلها أحد غيره. وهذا في مقام التعظيم. وفي مقام الدعوة قال الله ﷾ عنه ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن:١٩] أي الذي لا عبد له سواه، والحقيقة أن المقصود منها أي: لا عبد كامل العبودية أو لا عبد وصل إلى كماله الذي وصله في كمال العبودية. فإذًا العبودية أمرها عظيم، فإذا وصفت رسول الله ﷺ بأنه عبد الله ورسوله فقد وصفته بأخص أوصافه وأعظم أوصافه ﷺ، ومع ذلك يُشعر هذا الوصف بأنك لا تتجاوز به حده، فهو عبد مهما ترقى ﷺ فهو يترقى في مقام العبودية، وما أكرمه الله تعالى به من شيء، أو أطلعه على شيء من الغيب، أو سخر له شيئًا مما في السماوات أو في الأرض، أو امتن عليه بأي أمر خارق عظيم، فهو بتحقيقه للعبودية ولبلوغه كمال العبودية. فمن دعاه أو استغاث به مع الله أو من دون الله ﷾، أو من قال أنه يتصرف في الكون كما يشاء، أو أنه يعلم الغيب كله، أو أن بيده مقاليد كل شيء، ويعلم متى تقوم الساعة، وغير ذلك مما قاله المفترون والمبطلون، فهذا معتقدًا أن محمدًا عبد الله، لأنه أعطاه وأصبغ عليه صفات الألوهية، فهذا ناقض لقوله (عبده) هذا طرف. والطرف الآخر: هم المفرطون المقصرون في محبته ﷺ وفي اتباعه، فكلمة (ورسوله) توحي بأنه لا رسول له إلا هو ﷺ، وفي الحقيقة أنه ﷺ الرسول الكامل الرسالة الذي بعث لجميع العالمين، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:١٠٧] وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ [سبأ:٢٨] وبدين عام شامل لكل ما يحتاج إليه الإنسان مما يقربه إلى ربه، ومما يحقق له السعادة في معاشه وفي دنياه، فالرسول الكامل الرسالة هو محمد ﷺ، فمن لم يحب هذا الرسول ﷺ، فهو لم يشهد أنه رسول الله ﷺ، ومن اتبع شرعًا غير شرعه ﷺ فهو لم يشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:٦٥] فمن قصر في متابعة النبي ﷺ، ومن قدّم قول أحد على قوله ﷺ كائنًا من كان؛ فإنه لم يشهد حقيقة الشهادة بأن محمدًا رسول الله، لأن مقتضى ذلك ومعناه أن يُحبَّ الرسول ﷺ أكثر حتى من النفس، قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأحزاب:٦] فيحب ويعطى الأولوية حتى على النفس؟ وكونه رسول الله ﷺ يقتضي أن يصدق ﷺ في كل خبر يخبر به، دون أن نعرض ذلك الخبر على رأي فلان أو فلان، أو أي مقياس من المقاييس، وأن نطيعه في كل أمر ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، وأن نبتعد عن كل ما نهى عنه وزجر، وألا نعبد الله ﵎ إلا بما شرع ﷺ، فهو العبد الكامل العبودية، والرسول الذي بين الدين وأكمل الله به الرسالة وختمها، فنعبد ربنا كما شرع ﷺ، ولا نبتدع في دين الله ولا نزيد ولا ننقص ولا نضل ولا ننحرف، فبذلك نكون قد حققنا الشهادة، وهي أن محمدًا عبده ورسوله، وهذا هو أكمل وأخص أوصافه ﷺ.

6 / 11