158

Lessons by Sheikh Safar al-Hawali

دروس للشيخ سفر الحوالي

ژانرونه

عاقبة شرك المحبة ومن هنا جاء الوعيد الشديد في حق هذه الأمة إن هي ركنت إلى أي صارفٍ أو مُغرٍ أو ملهٍ عن محبة الله ومحبة رسول الله ﷺ فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة:٢٤] فهذا فسق وعمل يستوجب الوعيد الشديد: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة:٢٤] وهذا الأمر من أول بداياته أن يُذهب الله ﵎ النصر والعز والتمكين، ويورث تلك الأمة الذل والخسارة والضياع، كما أخبر بذلك النبي ﷺ بالحديث الذي يقارب معنى هذه الآية: ﴿إذا تركتم الجهاد وتبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر، سلط الله عليكم ذلًا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم﴾، وهذا هو الوهن الذي أخبر عنه النبي ﷺ وهو حب الدنيا وكراهية الموت، لكن إذا كان الله ورسوله أحب إلينا من كل هذه المغريات والشهوات والملهيات فهذه هي حقيقة الإيمان، ولهذا يقول ﷺ: ﴿ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا﴾ ويقول ﷺ كما في الحديث الآخر: ﴿ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار﴾ فهذه هي حقيقة أو ضرورة المحبة، أن يكون قلب الإنسان ممتلئًا بحب الله ﷾ وحب رسوله ﷺ وحب ما أمر الله ورسوله به، ولا يكون في قلبه أدنى مثقال ذرة من كره الله، أو كره رسول الله ﷺ أو كراهية شيء مما جاء به النبي ﷺ. وقد وقع في حياته ﷺ قصة ذكرها الله ﵎ في القرآن في شأن المنافقين الذين خلت قلوبهم من محبة الله ومحبة رسول الله ﷺ -عافنا الله وإياكم من النفاق- يقول الله ﵎: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة:٦٥ - ٦٦] فهذه الآيات نزلت في المنافقين لما أظهروا بغض أصحاب النبي ﷺ وكرههم واستهزاءهم بهم، فهم لم يستهزئوا بالله ﷿ بعباراتهم التي قالوها، ولم يستهزئوا برسوله ﷺ، ولم يظهروا بغض الله ﷿، أو بغض رسول الله ﷺ، وإنما أظهروا بغض الصحابة على طريق الاستهزاء بهم، الاستهزاء الذي ينمُّ عما في القلب من بغضاء وعداوة وحقد يتنافى مع المحبة التي أمر الله تعالى بها له ولرسوله وللمؤمنين، فقالوا: ﴿ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أوسع بطونًا ولا أجبن عند اللقاء﴾، فهم سخروا واستهزءوا بالصحابة الكرام من القراء، بأنهم يقبلون عند الطعام، ويتأخرون عند الفزع وعند مجيء العدو، وكأن حال المنافقين العكس، وهذا هو أبطل الباطل وأكذب الكذب فماذا كانت النتيجة، أنزل الله ﵎ هذه الآيات: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة:٦٥] وهذا الذي وقع، فعندما سألهم رسول الله ﷺ، قالوا: إنما كنا نمزح ونلهو ونخوض ونلعب، ولم نكن نقصد الإساءة إلى الصحابة وإلى هؤلاء القراء، فبماذا رد الله ﵎؟ أرشد الله رسوله وعلمه كيف الرد عليهم: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ [التوبة:٦٥] فهم لم يذكروا الله ﷿ في كلامهم ولم يذكروا الرسول ﷺ، أي: لم يستهزئوا بهما، وإنما استهزءوا بالقراء، ولكن الرد أتى من عند الله ﷿: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ [التوبة:٦٥] ثم يقول: ﴿لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة:٦٦] فعملكم هذا لا يغفره عذر، ولا يطهره ما تقولون وما تزعمون، بل هذا مخرج لكم من دين الإسلام -والعياذ بالله-.

6 / 4