Lessons by Sheikh Muhammad Al-Mukhtar Al-Shanqiti
دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي
ژانرونه
أهمية رقة القلوب
الحمد لله علام الغيوب، الحمد لله الذي تطمئن بذكره القلوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعز مطلوبٍ وأشرف مرغوب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، الذي أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه إلى يوم الدين، وعلى جميع من سار على نهجه واتبع سبيله إلى يوم الدين.
أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني في الله: إن رقة القلوب وخشوعها، وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن، وعطيةٌ من الديان، تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزًا مكينًا وحصنًا حصينًا من الغي والعصيان، ما رق قلبٌ لله ﷿ إلا كان صاحبه سابقًا إلى الخيرات، مشمرًا في الطاعات والمرضاة، ما رق قلبٌ لله ﷿ وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله، فما ذُكِّر إلا تذكّر، ولا بُصِّر إلا تبصر، وما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئنًا بذكر الله، يلهج لسانه بشكره والثناء عليه ﷾، وما رقّ قلبٌ لله ﷿ إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله ﷿.
فالقلب الرقيق قلبٌ ذليلٌ أمام عظمة وبطش الله ﵎، ما انتزعه داعي الشيطان إلا وانكسر خوفًا وخشيةً للرحمن ﷾، ولا دعاه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية المليك ﷾.
القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صديق، القلب الرقيق رفيقٌ ونعم الرفيق؛ ولكن من الذي يهبُ رقة القلوب وانكسارها؟ ومن الذي يتسبب بخشوعها وإنابتها إلى ربها؟ من الذي إذا شاء قلب هذا القلب فأصبح أرق ما يكون لذكر الله ﷿، وأخشع ما يكونُ لآياته وعظاته من هو؟ هو الله سبحانه لا إله إلا هو.
القلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فتجد العبد أقسى ما يكون قلبًا، ولكن يأبى الله إلا رحمته، ويأبى الله إلا حلمه وجوده وكرمه، حتى تأتي تلك اللحظة العجيبة، التي يتغلغل فيها الإيمان إلى سويداء ذلك القلب، بعد أن أذن الله تعالى أن يصطفى ويجتبى صاحب ذلك القلب، فلا إله إلا الله من ديوان الشقاء إلى ديوان السعادة، ومن أهل القسوة إلى أهل الرقة، بعد أن كان فظًا جافيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، إذا به يتوجه إلى الله بقلبه وقالبه، إذا بذلك القلب الذي كان جريئًا على حدود الله ﷿، وكانت جوارحه تتبعه في تلك الجرأة إذا به في لحظةٍ واحدة يتغير حاله، وتحسن عاقبته ومآله، يتغير لكي يصبح متبصرًا يعرف أين يضع الخطوة في مسيره.
أحبتي في الله: إنها النعمة التي ما وجدت على وجه الأرض نعمةٌ أجل وأعظم منها: نعمةُ رقة القلب، وإنابته إلى الله ﵎، وقد أخبر الله ﷿ أنه ما من قلبٍ يحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعودًا بعذاب الله، فقال سبحانه: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر:٢٢].
ويلٌ: عذابٌ ونكالٌ لقلوب قست عن ذكر الله ﷿، ونعيم ورحمةٌ وسعادةٌ وفوزٌ لقلوب انكسرت وخشعت لله ﵎؛ لذلك إخواني في الله: ما من مؤمنٍ صادق في إيمانه إلا وهو يتفكر كيف السبيل لكي يكون قلبي رقيقًا؟ كيف السبيل لكي أنال هذه النعمة؟ فأكون حبيبًا لله ﷿، وليًا من أوليائه، لا يعرف الراحة والدعة والسرور إلا في محبته وطاعته ﷾؛ لأنه يعلم أنه لن يحرم هذه النعمة إلا حُرم من الخير شيئًا كثيرًا؛ ولذلك كم من أخيار تنتابهم بعض المواقف واللحظات يحتاجون فيها إلى من يرقق قلوبهم! فالقلوب شأنها عجيب وحالها غريب، تارةً تقبل على الخير، وإذا بها أرق ما تكون لله ﷿ ولداعي الله، لو سُئِلتْ أن تنفق أموالها جميعها لمحبة الله لبذلت، ولو سُئِلتْ أن تبذل النفس في سبيل الله لضحت، إنها لحظات ينفح فيها الله ﷿ تلك القلوب برحمته، وهناك لحظات يتنعر فيها المؤمن لله ﵎، لحظات القسوة، وما من إنسان إلا تمر عليه فترة يقسو فيها قلبه، ويتعلل فيها فؤاده، حتى يكون أقسى من الحجر والعياذ بالله.
4 / 2