229

Lessons by Sheikh Al-Albani

دروس للشيخ الألباني

ژانرونه

أهمية مراعاة أحكام الشريعة في طلب الرزق الذي أريد الآن الدندنة حوله: أنه ليس من الجهاد في سبيل الله أن يطلب المسلم الرزق دون أن يلتزم في طلبه أحكام شريعة ربه ﷿، أي: لا يسأل إن كان السعي الذي يسعاه أو العمل الذي يعمله في سبيل تحصيله لرزقه جائزًا شرعًا أو محرمًا شرعًا، هذا -أولًا ليس مجاهدًا ذلك الجهاد الذي وسَّع رسول الله معناه، فجعل السعي وراء الرزق في سبيل الله، هذا الذي يسعى وراء الرزق ولا يسأل أحرام هو أم حلال؟ فهو ليس فقط مجاهدًا وخارجًا في سبيل الله، بل هو -ثانيًا- عاصٍ لله ﷿، غير متذكرٍ عملًا قول الله ﷿ المذكور آنفًا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:٥٦] فعلى كل مسلم إذا سعى وراء الرزق ألا يطلبه إلا من طريقٍ أباحه الله ﷿، وقد بين ذلك رسول الله ﵌. ولذلك جاءت أحاديث كثيرة عن النبي ﵌ تأمر المسلم بأن يطلب الرزق من الطريق الحلال، وتحذره أن يكون مكسبه من طريق حرام فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي ﵌ قال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون:٥١] ثم ذكر رسول الله ﵌ الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومأكله حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) يدعو المسلمون اليوم دعاءً طويلًا عريضًا، ثم لا يستجاب لهم أن ينصرهم الله ﷿ على عدوهم، لماذا؟ لأن أكثر المسلمين اليوم لا يسألون الحلال، ولا يبالون من أي طريقٍ جاءهم هذا الكسب، أمن طريقٍ حلال أم حرام، فهذا الحديث يقول: إن الله ﷿ جعل من سنته الشرعية أنه لا يستجيب دعاء من كان طالبًا للرزق بطريقٍ محرم، بل قد أوعده النبي ﵌ إيعادًا مخيفًا جدًا، حينما قال ﵊: (كل لحمٍ نبت من السحت فالنار أولى به) أي: من الكسب الحرام. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه أخبر أمته بأن استحلالهم السعي وراء الرزق بالطرق المحرمة يكون سببًا لأن يذلهم الكفار، ويستعبدوهم الكفار، وهذا أمرٌ مشاهد -مع الأسف- في كثيرٍ من الديار الإسلامية، ذلك قوله ﵌: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) فقد ذكر النبي ﵌ أن من أسباب تسلط الأعداء على المسلمين وإذلالهم إياهم، إنما هو انكبابهم على الدنيا وانصرافهم -بسبب هذا الانكباب- إلى طلب الرزق بطريق الربا، ومن أنواع الربا ما ذكره ﵊ في الطرف الأول من هذا الحديث، ألا وهو قوله: (إذا تبايعتم بالعينة) نوع من المبايعات الربوية (وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) . والرجوع إلى الدين معناه واسعٌ جدًا جدًا، ولكن فيما يتعلق بهذه الكلمة يجب على كل مسلم أن يرجع في طلبه للرزق إلى الكسب الحلال، حتى يكون هذا الكسب شفيعًا له فيما إذا دعا ربه أن يستجيب له أو منه دعوته. نسأل الله ﷿ أن يلهمنا التعرف على ديننا، وأن نعمل بأحكامه، ومن ذلك أن يوفقنا للسعي وراء طلب الرزق الحلال، وأن يبعدنا عن الوسائل المحرمة التي كثرت في هذه الأيام، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

18 / 5