ليلة الوداع
فلما قرأت تلك الأناشيد زادت حيرتي وحزني، وقطعني الروح الحائر، فهو لا يزورني يخفف بحديثه ما بنفسي، فاتخذت من الصبر درعا إلى أن ضقت بالحيرة ذرعا، ثم سمعت الروح يقول لي في نومي: «إني زائرك لآخر مرة، ولكن لا تسألني أن أرفع عن بصيرتك نقاب الحيرة، فلو استطعته لغيري هديت نفسي.» ثم وافاني الروح تحت جنح الظلام وفي يده المصباح الذي يهدي خطاه في عالم الأرواح ، فعلمت لأول وهلة أنه لا يزال كما كان حائرا، ولكنني الليلة لمحت انتهاك قوته وخفوت صوته.
قلت له: «ماذا أوحى إليك ما كتبت في تلك الأناشيد الستة؟ إن بعضها كالريح الصرصر العاتية تغرق سفن الآمال، وبعضها كإعصار الصحراء تدفن العواطف، وبعضها كالسموم تخمد قوى النفس، وبعضها كريح الشمال تعيد الحياة إلى الروح.»
قال: «أوحاها إلي ظمئي إلى الوصول إلى الغرض الأسمى والمثل الأعلى (أيديال).»
قلت: «وما هما؟»
قال: «الغرض الأسمى: هو بلوغ الإنسانية أرقى مراتب الكمال، والمثل الأعلى: سلوك الأفراد والجماعات سبيل الوصول إلى تلك المرتبة.»
قلت: «وما هي أرقى مراتب الكمال؟»
قال: «إنها لا تعد، وأولها سعادة الإنسانية.»
قلت: «وماذا تقصد بالسعادة؟»
قال: «إنها درجات وأنواع.»
ناپیژندل شوی مخ