لواقح الانوار
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
خپرندوی
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
د چاپ کال
1315 هـ
من المقربين ولا أحب أن أكون من أصحاب اليمين، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: هاهنا رجل يود أنه إذا مات لا يبعث يعني نفسه، وكان رضي الله عنه يبكي، ويلاقي دموعه بكفيه، ثم يقول بدموعه هكذا يرش بها الأرض، وخرج مرة معه ناس يشيعونه فقال لهم: ألكم حاجة فقالوا لا فقال: ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع، وكان يقول لو تعلمون مني ما أعلمه من نفسي لحثيتم على رأس التراب، وكان يقول حبذا المكروهان الموت والفقر، وكان رضي الله عنه يقول ما أصبحت قط على حالة فتمنيت أن أكون على سواها، وكان يقول إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه فيخرج ولا دين معه لأنه تعرض أن يعصي الله تعالى إما بفعله وإما بسكوته وإما باعتقاده، وكان يقول لو أن رجلا قام بين الركن والمقام يعبد الله تعالى سبعين سنة وهو يحب ظالما لبعثه الله تعالى يوم القيامة مع من يحب.
ولما مرض رضي الله عنه عاده عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال له: ما تشتكي قال ذنوبي قال فما تشتهي: قال: رحمة ربي قال له ألا آمر لك بطبيب قال: الطبيب أمرضني قال ألا آمر لك بعطاء قال لا حاجة لي فيه، قال يكون لبناتك قال أتخشى على بناتي الفقر وقد أمرتهن أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قرأ الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا ".
وكان من دعائه: اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ومرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد، وكان رضي الله عنه يقول: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم بالخشية، وكان رضي الله عنه يقول ويل لمن لا يعلم ولا شاء الله لعلمه وويل لمن يعلم ثم لا يعمل سبع مرات، وكان يقول ذهب صفو الدنيا وبقي كدرها، والموت اليوم تحفة لكل مسلم، وكان يقول: لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته ولا يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى، والذل أحب إليه من العز، وحتى يكون حامده وذامه عنده سواء، وفسر هذه الجملة أصحابه فقالوا حتى يكون الفقر في الحلال أحب إليه من الغنى في الحرام، والتواضع في طاعة الله أحب إليه من الشرف في معصية الله وحتى يكون حامده وذامه عنده في الحق سواء لا يميل إلى من يحمده أكثر ممن يذمه، وكان يقول: لأن بعض أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير له من أن يقول لأمر قضاه الله ليت هذا لم يكن وكان يقول: لأصحابه أنتم أطول صلاة وأكثر اجتهادا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كانوا أزهد منكم في الدنيا وأرغب منكم في الآخرة، وكان يقول إن الرجل لا يكون غائبا عن المنكر في بيوت الولاة، ويكون عليه مثل وزر من حضر وذلك لأنه يبلغه فيرضى به ويسكت عليه، والله أعلم.
ومنهم الإمام خباب بن الأرت
رضي الله تعالى عنه
وكان يعذب بالنار ليرجع عن دين الإسلام فلم يرجع، وكان رضي الله عنه يبكي ويقول إن إخواننا مضوا ولم يأخذوا من أجرهم شيئا ولم تنقصهم الدنيا، وإنا بقينا بعدهم وأعطينا من المال ما لم نجد له موضعا إلا التراب ، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. وقال عمر رضي الله عنه يا خباب ماذا لقيت من المشركين. فقال: أوقدوا لي نارا فما أطفأها إلا ودك ظهري، رضي الله عنه.
توفي بالكوفة وصلى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومنهم أبي بن كعب
رضي الله تعالى عنه
كان من القراء وقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب إلى آخرها بأمر الله عز وجل له في ذلك، وكان يقول عليكم بالسبيل، والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل، وسنة وذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله تعالى فتمسه النار، وإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة، وكان يقول: ما من عبد ترك شيئا لله إلا أبدله الله عز وجل ما هو خير منه من حيث لا يحتسب.
ومنهم سلمان الفارسي
رضي الله تعالى عنه
كان عطاؤه خمسة آلاف، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب على الناس في عباءة يفرش بعضها ويلبس بعضها، فإذا خرج عطاؤه أمضاه، وكان يكل من شغل يديه ويستظل بالفيء حيثما دار ولم يكن له بيت، وكان يعجن عن الخادم حين يرسلها في حاجة، ويقول: لا نجمع عليها عملين، وكان يعمل الخوص ويقول أشتري خوصا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم
مخ ۲۰