لواقح الانوار
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
خپرندوی
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
د چاپ کال
1315 هـ
من الكلم كلمة تحتها ألف كلمة، وإن من الكلم كلمة تحتها مائة ألف كلمة، وإن من الكلم كلمة تحتها بحار لا يحاط بقطراتها، ولا يدرك عظيم غاياتها، وكان يقول: قلب كل مؤمن ليلة قدر جسده، وليلة قدر كل سنة قلب عامها، وكان يقول: المريدون على قسمين مريد يعرض ما يرد عليه من مربيه على عقله قبل أن يصل إلى قلبه، ومريد ألا يعرض ذلك على عقله بل يصل إلى قلبه ببادئ الرأي، وهذا أقرب إلى النفع، وفي كل خير، وكان يقول: إذا اعترضت النفوس للسالكين، أوقفتهم عن مزيد الأذكار، وتحصيل الطاعات، وإذا اعترضت للعارفين حجبتهم عن لذيذ المشاهدات، والارتقاء إلى أعلى الدرجات، فالنفس مانعة للفريقين عن السير، وكان يقول: ألجمت النفوس في مفتاح التوحيد بلجام لا حتى ترجع عن جميع دعاويها، وكان يقول: الكأس العلياء هي التي لا يشربها صاحبها وحده.
وليكن ذلك آخر ما التقطناه من كلامه رضي الله تعالى عنه.
ومنهم العارف بالله تعالى الشيخ محمد بن عبد الجبار النفري رحمه الله:
كان من أهل القرن الرابع رضي الله عنه، ولكن هكذا وقع لنا ذكره، وإن كنا لم نلتزم ذكرهم على ترتيب الزمان. وكان له رضي الله عنه كلام عال في طريق القوم، وهو صاحب المواقف نقل عنه الشيخ محي الدين بن العربي رضي الله تعالى عنه، وغيره، وكان إماما بارعا في كل العلوم. ومن كلامه رضي الله عنه في المواقف يقول: الله عز وجل كيف لا تحزن قلوب العارفين، وهي تراني أنظر إلى العمل، فأقول: لسيئه كن صورة تلقى بها عاملك، وأقول لحسنه كن صورة تلقى بها عاملك، وكان يقول: قلوب العارفين تخرج إلى العلوم بسطوات الإدراك، وذلك كفرها، وهو الذي ينهاها الله عنه، وكان يقول: كأن الحق تعالى يقول: إذا تعلق العارف بالمعرفة، وادعى أنه تعلق بي هرب من المعرفة كما هرب من النكرة، وكان يقول: كأن الحق تعالى يقول: لقلوب العارفين أنصتوا، واصمتوا لا لتعرفوا، وإن ادعيتم الوصول إلي فأنتم في حجاب بدعواكم، ووزن معرفتكم كوزن ندمكم، فإن عيونكم ترى المواقيت، وقلوبكم ترى الأبد، فإن لم تستطيعوا أن تكونوا من وراء الأقدار، فكونوا من وراء الأفكار، وكان يقول: التقطوا الحكمة من أفواه الغافلين عنها كما تلتقطونها من أفواه العامدين لها، فإنكم ترون الله وحده في حكمة الغافلين لا في حكمة العامدين.
وكان يقول: حق المعرفة أن تشهد العرش، وحملته، وما حواه من كل في معرفة يقول: بحقائق إيمانه ليس كمثله شيء، وهو أي العرش في حجاب عن ربه، فلو رفع حجابه لاحترق العالم بأسره في لمح البصر، أو أقرب، وكان يقول: لا تفارق مقامك يميد بك كل شيء، وليس مقامك إلا رؤيته تعالى، فإذا دمت على رؤبته رأيت الأبد بلا عبارة، إذ الأبد لا عبارة فيه لأنه وصف من أوصاف الله عز وجل لكن لما سبح الأبد خلق الله من تسبيحه الليل، والنهار، وكان يقول: إذا اصطفيت أخا فكن معه فيما أظهر، ولا تكن معه فيما أسر، فإن ذلك له من دونك سر، فإن أشار إليه فأشر إليه، وإن أصفح به فأفصح عنه، وكان يقول: كأن الحق تعالى يقول: اسمي وأسمائي عندك، ودائعي لا تخرجها، فأخرج من قلبك، فإذا خرجت من قلبك عبد ذلك القلب غيري، وأنكرني بعد المعرفة وجحدني بعد الإقرار، فلا تخبر باسمي، ولا بمعلوم اسمي، ولا تحدث من يعلم اسمي، ولا بأنك رأيت من يعرف اسمي، وإن حدثك محدث عن اسمي، فاسمع منه، ولا تخبره أنت، وكان يقول: علامة الذنب الذي يغضب الله عز وجل أن يعقب صاحبه الرغبة في الدنيا، ومن رغب فيها، فقد فتح بابا إلى الكفر بالله عز وجل لأن المعاصي بريد الكفر، وكل من دخل ذلك الباب أخذ من الكفر بقدر ما دخل، والله تعالى أعلم، وقد ذكرنا جملة صالحة من كلامه في مختصر المواقف، والله تعالى أعلم.
ومنهم الشيخ أبو الفتح الواسطي رضي الله عنه: شيخ مشايخ بلاد الغربية
بأرض مصر المحروسة، وكان من أصحاب سيدي أحمد بن الرفاعي، فأشار إليه بالسفر إلى مدينة الإسكندرية فسافر إليها، وأخذ عنه خلائق لا يحصون منهم الشيخ عبد السلام القليبي، والشيخ عبد الله البلتاجي والشيخ بهرام الدميري، والشيخ جامع الفضلين الدنوشري، والشيخ علي المليجي، والشيخ جماد الدين البخاري والشيخ عبد الوهاب، والشيخ عبد العزيز الدريني، وأضرابهم، وكان مبتلي بالإنكار عليه، وعقدوا له المجالس بالإسكندرية، وهو يقطعهم بالحجة، وكان خطيب جامع العطارين من أشدهم عليه فبينما هو يوما فوق المنبر والأذان بين يديه تذكر أنه جنب، فمد له الشيخ أبو الفتح كمه فوجده زقاقا فدخله ، فرأى فيه ماء ومطهرة، فاغتسل، وخرج، فجلس على المنبر فلما
مخ ۱۷۱