لواقح الانوار
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
خپرندوی
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
د چاپ کال
1315 هـ
أخاطب الناس على قدر عقولهم " فافهم، وتأمل فإن من لا علم له بالطريق إذا سمع الفقير يقول حقيقة التوبة هي التوبة كيف يقول منطوق هذا الكلام، وفحواه خطأ لأن التوبة من التوبة إصرار.
فإذا فسر له الفقير مراده على مصطلحه، وقال: مرادي عدم تزكية النفس، وعدم الاعتماد على التوبة دون رحمة الله عز وجل، لا الإصرار كيف يقول له هذا الكلام مليح الآن، وقد كان أنكره أولا لأن من شأن القوم أن يشهدوا أعمالهم بغير الرياء، والدعاوي، ولا يشهدون لهم إخلاصا، ومثل ذلك يصح تقرير قول بعضهم حقيقة التقوى هي ترك التقوى، ونظير ذلك أيضا قول سيدي عمر بن الفارض رضي الله عنه:
وقلت لزهدي والتنسك والتقي ... تخلوا وما بيني وبين الهوى خلوا
وكذلك قوله:
تمسك بأذيال الهوى واخلع الحيا ... وخل سبيل الناسكين وإن جلوا
لأن من لا إلمام له بمصطلح أهل الطريق ينكر، مثل ذلك، ويقول: ترك الزهد، والعبادات، والتقوى مذموم بل بذلك يذهب دين العبد كله، فكيف يجوز اعتقاد صاحب هذا الكلام، ولو كان له إلمام بالطريق لعلم أن مراد الشيخ عدم الوقوف على الأعمال دون الله عز وجل، فإن المنقول عن الشيخ رضي الله عنه الزهد، والعبادات، والتقوى كما درج عليه السلف الصالح رضي الله عنهم، وكذلك عن الشيخ محيي الدين بن العربي رضي الله عنه، وأضرابه، وما بلغنا قط عن أحد من القوم أنه نهى أحدا عن الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم أبدا، ولا تعرض لمعارضة شيء من الشرائع، وكيف يترك الولي ما كان سببا لوصوله إلى حضرة ربه، إنما يحث الناس على الإكثار من أسباب الوصول، فما بقي وجه الإنكار إلا على مواجيدهم، وأفهامهم، وتلك أمور لا تعارض شيئا من صريح السنة، والأمر في ذلك سهل، فمن شاء فليصدقهم، ويقتدي بهم كمقلدي المذاهب، ومن شاء فليسكت، ولا ينكر لأنهم مجتهدون في الطريق، والمجتهد لا يقدح إنكاره على مجتهد آخر.
ونقل القزويني في كتابه سراج العقول عن إمام الحرمين أنه كان يقول: حين يسئل عن كلام غلاة الصوفية، لو قيل لنا فصلوا ما يقتضي التكفير من كلامهم مما لا يقتضيه، لقلنا هذا طمع في غير مطمع، فإن كلامهم بعيد المدرك وعر المسلك يغترف من تيار بحر التوحيد، ومن لم يحط علما بنهايات الحقائق لم يحصل من دلائل التكفير على وثائق كما أنشد بعضهم في هذا المعنى:
تركنا الحبار الزاخرات وراءنا ... فمن أين يدري الناس أين توجهنا
وسئل سيدنا ومولانا شيخ الإسلام تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى عن حكم تكفير غلاة المبتدعة، وأهل الأهواء، والمتفوهين بالكلام على الذات المقدس فقال رضي الله عنه: اعلم أيها السائل أن كل من خاف من الله عز وجل استعظم القول بالتكفير لمن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، إذ التكفير أمر هائل عظيم الخطر، لأن من كفر شخصا بعينه، فكأنه أخبر أن عاقبته في الآخرة الخلود في النار أبد الآبدين، وأنه في الدنيا مباح الدم، والمال لا يمكن من نكاح مسلمة، ولا يجري عليه أحكام المسلمين لا في حياته، ولا بعد مماته، والخط في ترك ألف كفر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم امرئ مسلم ، وفي الحديث: " لأن يخطئ الإمام في العفو أحب إلي من أن يخطئ في العقوبة " ثم إن تلك المسائل التي يفتي فيها بتكفير هؤلاء القوم في غاية الدقة، والغموض لكثرة شببها، واختلاف قرائنها، وتفاوت دواعيها، والاستقصاء في معرفة الخطأ من سائر صنوف وجوهه، والاطلاع على حقائق التأويل، وشرائطه في الأمكان، الألفاظ المحتملة للتأويل، وغير المحتملة، وذلك يستدعي معرفة جميع طرق أهل اللسان من سائر قبائل العرب في حقائقها، ومجازاتها، واستعارتها، ومعرفة دقائق التوحيد، وغوامضه إلى غير ذلك مما هو متعذر جدا على أكابر علماء عصرنا، فضلا عن غيرهم، وإذا كان الإنسان يعجز عن تحرير معتقده في عبارة، فكيف يحرر اعتقاد غيره من عبارته، فمن بقي الحكم بالتكفير إلا لمن صرح بالكفر، واختاره دينا، وجحد الشهادتين، وخرج عن دين الإسلام جملة، وهذا نادر وقوعه، فالأدب الوقوف عن تكفير أهل الأهواء، والبدع، والتسليم للقوم في كل شيء قالوه عما يخالف صريح النصوص. كلام السبكي.
قلت:
مخ ۱۱