لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
خپرندوی
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
شمېره چاپونه
الثانية
د چاپ کال
۱۴۰۲ ه.ق
د خپرونکي ځای
دمشق
﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ١٢] أَيْ: خَلَقَهُنَّ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَاءِ عِلْمِ اللَّهِ فِيهِمْ أَفْعَالُهُمْ وَاكْتِسَابُهُمْ وَمُبَاشَرَتُهُمْ تِلْكَ الْأُمُورَ، وَمُلَابَسَتُهُمْ إِيَّاهَا عَنْ قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ وَتَقْدِيمِ إِرَادَةٍ وَاخْتِيَارٍ، وَالْحُجَّةُ إِنَّمَا تَلْزَمُهُمْ بِهَا، وَاللَّائِمَةُ تَلْحَقُهُمْ عَلَيْهَا، قَالَ: وَجُمَّاعُ الْقَوْلِ فِي هَذَا أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ ; لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَسَاسِ، وَالْآخِرَ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ، فَمَنْ رَامَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ رَامَ هَدْمَ الْبِنَاءِ وَنَقْضَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ مَوْضِعُ الْحُجَّةِ لِآدَمَ عَلَى مُوسَى ﵉ أَنَّ اللَّهَ ﷾ كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ آدَمَ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الشَّجَرَةَ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا، فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرُدَّ عِلْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَأَنْ يُبْطِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبَيَانُ هَذَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠] فَأَخْبَرَ قَبْلَ كَوْنِ آدَمَ أَنَّمَا خَلَقَهُ لِلْأَرْضِ، وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى يَنْقُلَهُ عَنْهَا إِلَيْهَا، وَأَنَّمَا كَانَ تَنَاوُلُهُ سَبَبًا لِوُقُوعِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا لِيَكُونَ فِيهَا خَلِيفَةً وَالِيًا عَلَى مَنْ فِيهَا، فَإِنَّمَا أَدْلَى آدَمُ بِالْحُجَّةِ عَلَى مُوسَى لِهَذَا الْمَعْنَى وَدَفْعِ لَائِمَةِ مُوسَى عَنْ نَفْسِهِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ: أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَنِي، قَالَ: فَقَوْلُ مُوسَى وَإِنْ كَانَ فِي النُّفُوسِ مِنْهُ شُبْهَةٌ، وَفِي ظَاهِرِهِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِاحْتِجَاجِهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي جُعِلَ أَمَارَةً لِخُرُوجِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَوْلُ آدَمَ فِي تَعَلُّقِهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ أَرْجَعُ وَأَقْوَى، وَالْفَلْجُ قَدْ يَقَعُ مَعَ الْمُعَارَضَةِ بِالتَّرْجِيحِ، كَمَا يَقَعُ بِالْبُرْهَانِ الَّذِي لَا مُعَارِضَ لَهُ. انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ فِيهِ آدَمُ عَلَى مُوسَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵃ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: " «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى» " وَفِي لَفْظٍ: «إِنَّ مُوسَى قَالَ: يَا رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنَ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِهِ، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، لِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَكَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، فَبِكَمْ تَجِدُ فِيهَا مَكْتُوبًا: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: ١٢١] قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ: بِأَرْبَعِينَ سَنَةً»، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ قَالَ:
1 / 346