لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
خپرندوی
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
شمېره چاپونه
الثانية
د چاپ کال
۱۴۰۲ ه.ق
د خپرونکي ځای
دمشق
بِيَدِ غَيْرِهِ لَوْ تَخَلَّى عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَثُلَّ عَرْشُهُ، وَلَخَرَّتْ سَمَاءُ إِيمَانِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَنَّ الْمُمْسِكَ لَهُ مَنْ يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَدَأَبُ هَذَا الْمُشَاهِدِ لِهَذَا الْمَقَامِ أَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قَلِّبِي إِلَى طَاعَتِكَ، وَدَعْوَاهُ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ.
ثُمَّ قَالَ: وَالتَّوْفِيقُ إِرَادَةُ اللَّهِ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَفْعَلَ بِعَبْدِهِ مَا يَصْلُحُ بِهِ الْعَبْدُ، بِأَنْ يَجْعَلَهُ قَادِرًا عَلَى فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ، مُرِيدًا لَهُ، مُحِبًّا لَهُ، مُؤْثِرًا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُبَغِّضُ إِلَيْهِ مَا يُسْخِطُهُ وَيَكْرَهُهُ، وَهَذَا مُجَرَّدُ فِعْلٍ، وَالْعَبْدُ مَحَلٌّ لَهُ، قَالَ - تَعَالَى -: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ - فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحجرات: ٧ - ٨] فَهُوَ ﷾ عَلِيمٌ بِمَنْ يَصْلُحُ لِهَذَا الْفَضْلِ، وَمَنْ لَا يَصْلُحُ لَهُ، حَكِيمٌ يَضَعُهُ فِي مَوَاضِعِهِ وَعِنْدَ أَهْلِهِ، فَلَا يَمْنَعُهُ أَهْلَهُ، وَلَا يَضَعُهُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ. وَلَمْ يَرْتَضِ بِتَفْسِيرِ التَّوْفِيقِ بِأَنَّهُ خَلْقُ الطَّاعَةِ، وَالْخِذْلَانَ خَلْقُ الْمَعْصِيَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْجَبْرِ، وَإِنْكَارِ الْأَسْبَابِ وَالْحِكَمِ، وَقَابَلَهُمُ الْقَدَرِيَّةُ فَفَسَّرُوا التَّوْفِيقَ بِالْبَيَانِ الْعَامِّ، وَالْهُدَى الْعَامِّ، وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الطَّاعَةِ، وَالِاقْتِدَارِ عَلَيْهَا وَتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهَا، وَهَذَا حَاصِلٌ لِكُلِّ أَحَدٍ كَافِرٍ وَمُشْرِكٍ بَلَغُتْهُ الْحُجَّةُ، وَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِيمَانِ، فَالتَّوْفِيقُ عِنْدَهُمْ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُفَّارِ، وَالْمُؤْمِنِينَ، إِذِ الْإِقْدَارُ، وَالتَّمْكِينُ، وَالدَّلَالَةُ، وَالْبَيَانُ قَدْ عَمَّ بِهِ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَوْ أَفْرَدَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَهُمْ بِتَوْفِيقٍ وَقَعَ بِهِ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ، وَالْكَفَّارَ بِخِذْلَانٍ امْتَنَعَ بِهِ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ، لَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مُحَابَاةً وَظُلْمًا، وَالْتَزَمُوا لِهَذَا الْأَصْلِ لَوَازِمَ قَامَتْ بِهَا عَلَيْهِمْ سُوقُ الشَّنَاعَةِ مِنَ الْعُقَلَاءِ، وَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنِ الْتِزَامِهَا، فَظَهَرَ فَسَادُ مَذْهَبِهِمْ وَتَنَاقُضُهُ لِمَنْ أَحَاطَ بِهِ عِلْمًا، وَتَصَوَّرَهُ حَقَّ تَصَوُّرِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَرْدَأِ مَذْهَبٍ فِي الدُّنْيَا وَأَبْطَلِهِ، ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢١٣]، ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ٢١٣]، فَأَثْبَتُوا الْقَضَاءَ، وَالْقَدَرَ وَعُمُومَ مَشِيئَةِ اللَّهِ لِلْكَائِنَاتِ، وَأَثْبَتُوا الْأَسْبَابَ، وَالْحِكَمَ، وَالْغَايَاتِ، وَالْمَصَالِحَ، كَمَا مَرَّ، وَنَزَّهُوا اللَّهَ ﷿ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ مَا لَا يَشَاءُ، وَأَنْ يُقْدِرَ خَلْقَهُ عَلَى مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَاقِعًا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَبِدُونِ مَشِيئَتِهِ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ
1 / 337