329

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

خپرندوی

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

شمېره چاپونه

الثانية

د چاپ کال

۱۴۰۲ ه.ق

د خپرونکي ځای

دمشق

ژانرونه
Hanbali
سلطنتونه
عثمانيانو
فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ وَفَهِمْتَهُ «فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ» ﷾ «فِعْلُ الْأَصْلَحِ» أَيِ الْأَنْفَعِ «وَلَا» يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِعْلُ «الصَّلَاحِ» لِعِبَادِهِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، فَمُعْتَزِلَةُ الْبَصْرَةِ قَالُوا بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ فِي الدِّينِ، وَقَالُوا: تَرْكُهُ بُخْلٌ وَسَفَهٌ يَجِبُ تَنْزِيهُ الْبَارِي عَنْهُ، وَمِنْهُمُ الْجُبَّائِيُّ، وَذَهَبَ مُعْتَزِلَةُ بَغْدَادَ إِلَى وُجُوبِ الْأَصْلَحِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعًا، لَكِنْ بِمَعْنَى الْأَوْفَقِ فِي الْحِكْمَةِ وَالتَّدْبِيرِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَرْجَمَةٌ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ بِمَسْأَلَةِ وُجُوبِ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ، وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَالُوا بِوُجُوبِ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ - تَعَالَى. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا بَعْدَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ - تَعَالَى - وَعَلَى وُجُوبِ الْإِقْدَارِ وَالتَّمْكِينِ وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِي مَعْلُومِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِمَّا يُؤْمِنُ عِنْدَهُ الْكَافِرُ وَيُطِيعُ الْعَاصِي، وَأَنَّهُ - تَعَالَى - فَعَلَ بِكُلِّ أَحَدٍ غَايَةَ مَقْدُورِهِ مِنَ الْأَصْلَحِ، قَالُوا: وَلَيْسَ فِي مَقْدُورِهِ - تَعَالَى - عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا - لُطْفٌ لَوْ فَعَلَ بِالْكُفَّارِ لَآمَنُوا جَمِيعًا، وَإِلَّا لَكَانَ تَرْكُهُ بُخْلًا وَسَفَهًا.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ الْأَصْلَحِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ فَقَطْ عَلَى مَا مَرَّ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْأَصْلَحِ هَلْ هُوَ الْأَوْفَقُ فِي الْحِكْمَةِ وَالتَّدْبِيرِ، أَوْ هُوَ الْأَنْفَعُ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ مُعْتَزِلَةُ الْبَصْرَةِ، فَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَبَرَ الْأَنْفَعَ فِي عِلْمِ اللَّهِ - تَعَالَى. فَأَوْجَبَ مَا عَلِمَ اللَّهُ نَفْعِيَّتَهُ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْجُبَّائِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ، فَزَعَمَ أَنَّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ الْكُفْرَ عَلَى تَقْدِيرِ تَكْلِيفِهِ إِيَّاهُ يَجِبُ تَعْرِيضُهُ لِلثَّوَابِ بِأَنْ يُبْقِيَهُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى اكْتِسَابِ الْخَيْرَاتِ. وَالْبَغْدَادِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُمْ فِيهَا شَيْءٌ، لَكِنَّ الْإِلْزَامَ عَلَيْهِمْ فِي تَخْلِيدِ الْفُسَّاقِ فِي النَّارِ أَشَدُّ قُبْحًا وَشَنَاعَةً، وَتَمَسَّكُوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: نَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ الْحَكِيمَ إِذَا أَمَرَ بِطَاعَتِهِ أَحَدًا، وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمَأْمُورَ مَا يَصِلُ بِهِ إِلَى الطَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ تَضَرُّرٍ بِذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ؛ كَانَ مَذْمُومًا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، مَعْدُودًا فِي زُمْرَةِ الْبُخَلَاءِ، وَكَذَلِكَ مَنْ دَعَا عَدُوَّهُ إِلَى الْمُوَالَاةِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْمُصَافَاةِ؛ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَامِلَهُ مِنَ الْغِلَظِ وَاللِّينِ إِلَّا بِمَا هُوَ أَنْجَعُ فِي حُصُولِ الْمُرَادِ وَأَدْعَى إِلَى تَرْكِ الْعِنَادِ.
قَالُوا: وَأَيْضًا مَنِ اتَّخَذَ ضِيَافَةً لِرَجُلٍ وَاسْتَدْعَاهُ إِلَى الْحُضُورِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ تَلَقَّاهُ بِبِشْرٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ لَدَخَلَ وَأَكَلَ، وَإِلَّا لَمْ يَدْخُلْ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ الْبِشْرُ، وَالطَّلَاقَةُ، وَالْمُلَاطَفَةُ، لَا أَضْدَادُهَا. وَأَجْلَبُوا وَأَجْنَبُوا مِنْ هَذَا التَّمْوِيهِ الَّذِي لَا يَصْدُرُ

1 / 329