316

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

خپرندوی

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

شمېره چاپونه

الثانية

د چاپ کال

۱۴۰۲ ه.ق

د خپرونکي ځای

دمشق

مُصَمِّمٌ عَلَى جَهْلِهِ، فَفِي الْمَصِيرِ إِلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ فِي فِعْلِهِ قَطْعُ طَلَبَاتِ الشَّرَائِعِ، وَالتَّكْذِيبُ بِمَا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ، فَإِنْ زَعَمَ مَنْ لَمْ يُوَفَّقْ لِمَنْهَجِ الرَّشَادِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ فِي مَقْدُورِهِ أَصْلًا. وَإِذَا طُولِبَ بِمُتَعَلِّقِ طَلَبِ اللَّهِ بِفِعْلِ الْعَبْدِ تَحْرِيمًا وَفَرْضًا؛ ذَهَبَ فِي الْجَوَابِ طُولًا وَعَرْضًا، وَقَالَ: لِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ الْمُتَعَرِّضُونَ ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] قِيلَ لَهُ: لَيْسَ لِمَا جِئْتَ بِهِ حَاصِلٌ، كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، نَعَمْ، يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَلَكِنْ يَتَقَدَّسُ عَنِ الْخُلْفِ وَنَقِيضِ الصِّدْقِ، وَقَدْ فَهِمْنَا بِضَرُورَاتِ الْمَعْقُولِ مِنَ الشَّرْعِ الْمَنْقُولِ أَنَّهُ - عَزَّتْ قُدْرَتُهُ - طَالَبَ عِبَادَهُ بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ مُمَكَّنُونَ مِنَ الْوَفَاءِ بِهِ، فَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ إِلَّا مَبْلَغَ الطَّاقَةِ، وَالْوُسْعَ فِي مَوَارِدِ الشَّرْعِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ فِي مَقْدُورِهَا كَمَا لَا أَثَرَ لِلْعَلَمِ فِي مَعْلُومِهِ؛ فَوَجْهُ مُطَالَبَةِ الْعَبْدِ بِأَفْعَالِهِ عِنْدَهُ كَوَجْهِ مُطَالَبَتِهِ بِأَنْ يُثْبِتَ فِي نَفْسِهِ أَلْوَانًا وَإِدْرَاكَاتٍ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ إِلَى الْتِزَامِ الْبَاطِلِ وَالْمُحَالِ، وَفِيهِ إِبْطَالُ الشَّرَائِعِ وَرَدُّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّونَ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَإِذَا لَزِمَ الْمَصِيرُ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ خَالِقُ أَعْمَالِهِ؛ فَإِنَّهُ فِيهِ الْخُرُوجُ عَمَّا دَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الْأَئِمَّةُ، وَاقْتِحَامُ وَرَطَاتِ الضَّلَالِ. وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْوُقُوعِ فِي أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ بِقُدْرَتِهِ الْحَادِثَةِ وَالْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ. فَإِنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ حُدُوثُهُ بِقَادِرَيْنِ، إِذِ الْوَاحِدُ لَا يَنْقَسِمُ، فَإِنْ وَقَعَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ اسْتَقَلَّ بِهَا، وَيَسْقُطُ أَثَرُ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَقَعَ بَعْضُهُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ لَا بَعْضَ لَهُ، وَهَذِهِ مِهْوَاةٌ لَا يَسْلَمُ مِنْ غَوَائِلِهَا إِلَّا مُرْشَدٌ مُوَفَّقٌ، إِذِ الْمَرْءُ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْدَادَ، وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَالَبًا بِالشَّرَائِعِ، وَفِيهِ إِبْطَالُ دَعْوَةِ الْمُرْسَلِينَ، وَبَيْنَ أَنْ يُثْبِتَ نَفْسَهُ شَرِيكًا لِلَّهِ فِي إِيجَادِ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ بِجُمْلَتِهَا بَاطِلَةٌ وَلَا يُنْجِي مِنْ هَذَا الْمُلْتَطَمِ ذِكْرُ اسْمٍ مَحْضٍ وَلَقَبٍ مُجَرَّدٍ مِنْ غَيْرِ تَحْصِيلِ مَعْنًى، وَذَلِكَ أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ يَكْتَسِبُ، وَأَثَرُ قُدْرَتِهِ الِاكْتِسَابُ، وَالرَّبُّ - تَعَالَى - مُخْتَرِعٌ خَالِقٌ لِمَا الْعَبْدُ مُكْتَسِبٌ لَهُ؛ قِيلَ لَهُ: فَمَا الْكَسْبُ؟ وَمَا مَعْنَاهُ؟ وَأُدِيرَتِ الْأَقْسَامُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ، فَلَا يَجِدُ عَنْهُ مَهْرَبًا. ثُمَّ قَالَ - يَعْنِي إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ - فَنَقُولُ: قُدْرَةُ الْعَبْدِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِالصَّانِعِ، وَالْفِعْلُ الْمَقْدُورُ

1 / 316