لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Muhammad ibn Ahmad as-Safarini d. 1188 AH
30

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

خپرندوی

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

۱۴۰۲ ه.ق

د خپرونکي ځای

دمشق

: وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ فِي الْأَصْلِ صِفَةً، فَقَدِ انْقَلَبَ عَلَمًا مُشْعِرًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ لِلِاشْتِهَارِ. قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ (بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ): زَعَمَ السُّهَيْلِيُّ وَشَيْخُهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ غَيْرُ مُشْتَقٍّ ; لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ يَسْتَلْزِمُ مَادَّةً يُشْتَقُّ مِنْهَا، وَاسْمُهُ - سُبْحَانَهُ - قَدِيمٌ، لَا مَادَّةَ لَهُ فَيَسْتَحِيلُ الِاشْتِقَاقُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالِاشْتِقَاقِ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَكِنْ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِقَاقِ لَمْ يُرِدْ هَذَا الْمَعْنَى، وَلَا أَلَمَّ بِقَلْبِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى صِفَةٍ لَهُ - تَعَالَى - وَهِيَ الْإِلَهِيَّةُ، كَسَائِرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مِنَ الْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، فَإِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ مَصَادِرِهَا بِلَا رَيْبٍ، وَهِيَ قَدِيمَةٌ، وَالْقَدِيمُ لَا مَادَّةَ لَهُ، فَمَا كَانَ جَوَابُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، فَهُوَ جَوَابُ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِقَاقِ فِي اللَّهِ، ثُمَّ الْجَوَابُ عَنِ الْجَمِيعِ أَنَّا لَا نَعْنِي بِالِاشْتِقَاقِ إِلَّا أَنَّهَا مُلَاقِيَةٌ لِمَصَادِرِهَا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، لَا أَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْهَا تُوَلُّدَ الْفَرْعِ مِنْ أَصْلِهِ، وَتَسْمِيَةُ النُّحَاةِ الْمَصْدَرَ وَالْمُشْتَقَّ مِنْهُ أَصْلًا وَفَرْعًا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُتَوَلِّدٌ مِنَ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُتَضَمِّنٌ لِلْآخَرِ وَزِيَادَةٌ، فَالِاشْتِقَاقُ هُنَا لَيْسَ هُوَ اشْتِقَاقُ مَبَادِئَ، وَإِنَّمَا هُوَ اشْتِقَاقُ تَلَازُمٍ يُسَمَّى الْمُتَضَمِّنُ (بِالْكَسْرِ) مُشْتَقًّا، وَالْمُتَضَمَّنُ (بِالْفَتْحِ) مُشْتَقًّا مِنْهُ، وَلَا مَحْذُورَ فِي اشْتِقَاقِ أَسْمَاءِ اللَّهِ بِهَذَا الْمَعْنَى. انْتَهَى. ثُمَّ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ فِي مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ مِنْ تَأَلَّهَ إِذَا تَذَلَّلَ، فَمَعْنَاهُ الْمُتَذَلَّلُ لَهُ، وَالثُّلَاثِيُّ مِنْهُ أَلَهَ يَأْلَهُ، بِفَتْحِ الْحَشْوِ فِي الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَالْمَصْدَرِ، بِمَعْنَى اعْتَمَدَ وَلَجَأَ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا قَالَ: أَلَهْتُ إِلَيْهِ فِي بَلَايَا تَنُوبُنَا ... فَأَلْفَيْتُهُ فِيهَا كَرِيمًا مُمَجَّدَا. أَيِ الْتَجَأْتُ إِلَيْهِ وَاعْتَمَدْتُ عَلَيْهِ، وَالتَّفَعُّلُ فِي تَأَلَّهَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى حُصُولِ شَيْءٍ فَشَيْءٍ، كَمَا فِي تَفَهَّمَ وَتَعَلَّمَ وَنَظَائِرِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَعْنَى أَلَهَ إِلَى الشَّيْءِ اسْتَنَدَ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الذُّلَّ وَالِافْتِقَارَ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ ذُلِّهِ لَدَيْهِ وَافْتِقَارِهِ إِلَيْهِ، فَكَانَ مَعْنَى تَأَلَّهَ تَذَلَّلَ وَافْتَقَرَ وَاحْتَاجَ، وَقِيلَ مِنْ وَلِهَ يَوْلَهُ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَلَهًا، وَمَعْنَاهُ تَحَيَّرَ، لَكِنْ قُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً فَصَارَ أَلَهًا، كَمَا أَبْدَلُوا وِسَادَةً، فَقَالُوا: إِسَادَةٌ، وَنَحْوَهُ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَدَاةُ التَّعْرِيفِ صَارَ الْإِلَهَ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، فَصَارَ اللَّهُ، فَزِيدَتِ الْأَلْفُ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ لِتَكُونَ كَالْعِوَضِ عَنِ الْهَمْزَةِ، فَصَارَ: إِلَهٌ، لَكِنْ لَا تُكْتَبُ بِالْأَلِفِ كَمَا لَا تُكْتَبُ

1 / 30