لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
خپرندوی
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
شمېره چاپونه
الثانية
د چاپ کال
۱۴۰۲ ه.ق
د خپرونکي ځای
دمشق
ژانرونه
عقائد او مذهبونه
وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِ الطَّائِفَتَيْنِ وَكَرَّهَ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ إِلَيْهِمَا بِالسَّوَاءِ، لَكِنْ هَؤُلَاءِ كَرِهُوا مَا كَرَّهَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ نِعْمَةٍ خَصَّهُمْ بِهَا، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكْرَهُوا مَا كَرَّهَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ -: مَنْ تَوَهَّمَ مِنْهُمْ، أَوْ مَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ أَنَّ الطَّاعَةَ مِنَ اللَّهِ، وَالْمَعْصِيَةَ مِنَ الْعَبْدِ، فَهُوَ جَاهِلٌ بِمَذْهَبِهِمْ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَدَرِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولُوهُ، فَإِنَّ أَصْلَ قَوْلِهِمْ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ لِلطَّاعَةِ كَفِعْلِهِ لِلْمَعْصِيَةِ كِلْتَاهُمَا فَعَلَهُ بِقُدْرَةٍ تَحْصُلُ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُصَّهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِإِرَادَةٍ خَلَقَهَا فِيهِ تَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا، وَلَا قُوَّةٍ جَعَلَهَا فِيهِ تَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا، فَمَنِ احْتَجَّ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] عَلَى مَذْهَبِهِمْ كَانَ جَاهِلًا بِمَذْهَبِهِ، وَكَانَتِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - قَالَ: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨] وَعِنْدَهُمْ لَيْسَتِ الْحَسَنَاتُ الْمَفْعُولَةُ وَلَا السَّيِّئَاتُ الْمَفْعُولَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، بَلْ كِلَاهُمَا مِنَ الْعَبْدِ، وَاللَّهُ ﷾ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ: الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالسَّيِّئَةُ مِنَ الْعَبْدِ، قَالَ: وَلَمْ يُقِلْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ الْحَسَنَةَ الْمَفْعُولَةَ مِنَ اللَّهِ، وَالسَّيِّئَةَ الْمَفْعُولَةَ مِنَ الْعَبْدِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْأَصْفَهَانِيَّةِ: وَأَثْبَتَتِ الْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ مَا فِي الْحَيَوَانِ مِنَ الْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْأَفْعَالِ دُونَ سَائِرِ الْقُوَى، وَالطَّبَائِعِ، وَالْأَفْعَالِ الَّتِي فِيهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَجْسَامِ وَغَلَوْا فِي أَفْعَالِ الْحَيَوَانِ حَتَّى جَعَلُوهَا تَحْدُثُ بِلَا سَبَبٍ مُحْدِثٍ لَهَا كَمَا زَعَمَهُ الْفَلَاسِفَةُ فِي الْحَرَكَةِ الْفَلَكِيَّةِ، وَجَعَلَ أَكْثَرُهُمْ مَا يَحْدُثُ بِسَبَبٍ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ فِعْلًا يُسَمُّونَهَا الْأَفْعَالَ الْمُتَوَلِّدَةَ، كَالشِّبَعِ عَنِ الْأَكْلِ، وَالرِّيِّ عَنِ الشُّرْبِ، وَخُرُوجِ السَّهْمِ عَنِ النَّزْعِ، وَحُصُولِ الْمَوْتِ عَنِ الضَّرْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةُ تَارَةً يُثْبِتُونَ حَادِثًا بِلَا مُحْدِثٍ، وَمُمْكِنًا يُرَجَّحُ وُجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ، بِلَا مُرَجِّحٍ كَحُدُوثِ فِعْلِ الْحَيَوَانِ، وَتَارَةً يُضِيفُونَ الْحَدَثَ إِلَى بَعْضِ أَسْبَابِهِ دُونَ سَائِرِ أَسْبَابِهِ، كَإِضَافَةِ الْمُتَوَلِّدَاتِ إِلَى فِعْلِ الْإِنْسَانِ دُونَ غَيْرِهِ، وَتَارَةً يُنْكِرُونَ الْأَسْبَابَ كَإِنْكَارِهِمْ مَا فِي الْأَجْسَامِ مِنَ الْقُوَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ غَيْرِ الْإِرَادِيَّةِ. وَالْأَسْبَابُ ثَابِتَةٌ، وَهِيَ حَادِثَةٌ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى أَسْبَابٍ أُخَرَ، وَلَهَا مَوَانِعُ، وَهَؤُلَاءِ يَنْفُونَ بَعْضَهَا وَيَجْعَلُونَ بَعْضَهَا حَادِثًا بِغَيْرِ إِحْدَاثِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ الْمُحْدَثَ مُسْتَقِلًّا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى مُشَارِكٍ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
1 / 298