لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
خپرندوی
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
۱۴۰۲ ه.ق
د خپرونکي ځای
دمشق
ژانرونه
عقائد او مذهبونه
هَذَا التَّفْسِيرِ عَنْهُ مِنَ اللَّوَازِمِ الْبَاطِلَةِ مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ، فَقَالُوا: إِذَا أَمَرَ الْعَبْدَ وَلَمْ يُعِنْهُ بِجَمِيعِ مَقْدُورِهِ - تَعَالَى - مِنْ وُجُوهِ الْإِعَانَةِ؛ فَقَدْ ظَلَمَهُ، وَالْتَزَمُوا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِيَ ضَالًّا كَمَا زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُضِلَّ مُهْتَدِيًا، وَقَالُوا: إِنَّهُ إِذَا أَمَرَ اثْنَيْنِ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَخَصَّ أَحَدَهُمَا بِإِعَانَتِهِ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ؛ كَانَ ظَالِمًا، وَإِنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي ذَنْبٍ يُوجِبُ الْعِقَابَ فَعَاقَبَ أَحَدَهُمَا وَعَفَا عَنِ الْآخَرِ؛ كَانَ ظَالِمًا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اللَّوَازِمِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي جَعَلُوا لِأَجْلِهَا تَرْكَ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ ظُلْمًا.
فَعَارَضَهُمْ أَصْحَابُ التَّفْسِيرِ الثَّانِي وَقَالُوا: الظُّلْمُ الْمُنَزَّهُ عَنْهُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُمْتَنِعَةِ لِذَاتِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا لَهُ - تَعَالَى، وَلَا أَنَّهُ تَرَكَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَجَعْلِ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ فِي مَكَانَيْنِ وَقَلْبِ الْقَدِيمِ مُحْدَثًا، وَالْمُحْدَثِ قَدِيمًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَكَلُّ مَا يُقَدِّرُهُ الذِّهْنُ وَكَانَ وُجُودُهُ مُمْكِنًا، وَالرَّبُّ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ بِظُلْمٍ سَوَاءٌ فَعَلَهُ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَتَلَقَّى هَذَا الْقَوْلَ عَنْهُمْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفَسَّرُوا الْحَدِيثَ بِهِ، وَأَسْنَدُوا ذَلِكَ وَقَوَّوْهُ بِآيَاتٍ وَآثَارٍ زَعَمُوا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾ [المائدة: ١١٨] يَعْنِي لَمْ تَتَصَرَّفْ فِي غَيْرِ مِلْكِكَ، بَلْ إِنَّمَا عَذَّبْتَ مَنْ تَمْلِكُ، وَعَلَى هَذَا فَجَوَّزُوا تَعْذِيبَ كُلِّ عَبْدٍ لَهُ وَلَوْ كَانَ مُحْسِنًا، وَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ ظُلْمًا، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ " إِنَّ «اللَّهَ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ» " وَبِمَا رُوِيَ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: مَا نَاظَرْتُ بِعَقْلِي كُلِّهِ أَحَدًا إِلَّا الْقَدَرِيَّةَ، قَلْتُ لَهُمْ: مَا الظُّلْمُ؟ قَالُوا: أَنْ تَأْخُذَ مَا لَيْسَ لَكَ، وَأَنْ تَتَصَرَّفَ فِيمَا لَيْسَ لَكَ. قُلْتُ: فَلِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَالْتَزَمَ هَؤُلَاءِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ لَوَازِمَ بَاطِلَةً، كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَذِّبَ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَأَهْلَ طَاعَتِهِ، وَيُخَلِّدَهُمْ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَيُكْرِمَ أَعْدَاءَهُ مِنَ الْكُفَّارِ، وَالْمُشْرِكِينَ، وَالشَّيَاطِينِ، وَيَخُصَّهُمْ بِجَنَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ، وَكِلَاهُمَا عَدْلٌ وَجَائِزٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ خَبَرِهِ، فَصَارَ مُمْتَنِعًا ; لِإِخْبَارِهِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ لَا لِمُنَافَاةِ حِكْمَتِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ أَرَادَ هَذَا وَأَخْبَرَ بِهِ وَأَرَادَ الْآخَرَ وَأَخْبَرَ بِهِ، فَوَجَبَ هَذَا لِإِرَادَتِهِ وَخَبَرِهِ، وَامْتَنَعَ ضِدُّهُ لِعَدَمِ إِرَادَتِهِ وَإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ.
وَالْتَزَمُوا أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ
1 / 289