286

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

خپرندوی

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

۱۴۰۲ ه.ق

د خپرونکي ځای

دمشق

افْتِقَارُهَا إِلَى عِلَّةٍ أُخْرَى وَأَنَّهُ يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ: وَهُوَ مُرَادُ الْمَشَايِخِ بِقَوْلِهِمْ كُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ وَلَا عِلَّةَ لِصُنْعِهِ، وَمَا أَجَابَ بِهِ مَنْ قَالَ بِالْحِكْمَةِ وَأَنَّهَا قَدِيمَةٌ: لَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ الْعِلَّةِ قِدَمُ مَعْلُولِهَا، كَالْإِرَادَةِ فَإِنَّهَا قَدِيمَةٌ وَمُتَعَلِّقُهَا حَادِثٌ، وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ إِلَى مُحَصَّلِ هَذَا كُلِّهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَجَمْعًا مِنْ تَلَامِذَتِهِ أَثْبَتُوا الْحِكْمَةَ، وَالْعِلَّةَ فِي أَفْعَالِ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا وَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْبَرَاهِينِ مَا لَعَلَّهُ لَا يُبْقِي فِي مُخَيَّلَةِ الْفَطِينِ السَّالِمِ مِنْ رِبْقَةِ تَقْلِيدِ الْأَسَاطِينِ أَدْنَى اخْتِلَاجٍ وَأَقَلَّ تَخْمِينٍ.
وَأَمَّا الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَدْ أَجْلَبَ وَأَجْنَبَ، وَأَتَى بِمَا يُقْضَى مِنْهُ الْعَجَبُ فِي كِتَابَيْهِ (شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ) وَ(مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ) وَغَيْرِهِمَا، فَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ فِي مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية: ٢١] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمٌ بِشَيْءٍ قَبِيحٍ يَتَنَزَّهُ اللَّهُ عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ مِنْ جِهَةِ قُبْحِهِ فِي نَفْسِهِ، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ.
وَمِنْ هَذَا إِنْكَارُهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ جَوَّزَ أَنْ يَتْرُكَ عِبَادَهُ سُدًى لَا يَأْمُرُهُمْ وَلَا يَنْهَاهُمْ وَلَا يُثِيبُهُمْ وَلَا يُعَاقِبُهُمْ - وَأَنَّ هَذَا الْحُسْبَانَ بَاطِلٌ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - مُتَعَالٍ عَنْهُ لِمُنَافَاتِهِ لِحِكْمَتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: ٣٦] فَأَنْكَرَ - سُبْحَانَهُ - عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَتْرُكُ سُدًى - إِنْكَارَ مَنْ جَعَلَ فِي الْعَقْلِ اسْتِقْبَاحَ ذَلِكَ، وَاسْتِهْجَانَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ أَنْ يُنْسَبَ ذَلِكَ إِلَى أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٥] فَنَزَّهَ نَفْسَهُ ﷾ وَبَاعَدَهَا عَنْ هَذَا الْحُسْبَانِ، وَأَنَّهُ مُتَعَالٍ عَنْهُ فَلَا يَلِيقُ بِهِ لِقُبْحِهِ وَمُنَافَاتِهِ الْحِكْمَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ الْمَعَادِ بِالْعَقْلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِهِ بِالسَّمْعِ.
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ بَسَطَ الْقَوْلَ وَوَسَّعَ الْعِبَارَةَ فِي أَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةِ كَرَارِيسَ، ثُمَّ قَالَ: الْكَلَامُ هُنَا فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي التَّلَازُمِ بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ وَبَيْنَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ، شَاهِدًا وَغَائِبًا، وَالثَّانِي فِي انْتِفَاءِ اللَّازِمِ وَثُبُوتِهِ، فَأَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فَلِمُثْبِتِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِيهِ طَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا ثُبُوتُ التَّلَازُمِ، وَالْقَوْلُ بِاللَّازِمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَعَلَيْهِ يُنَاظِرُونَ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي نَصَبَ خُصُومُهُمُ

1 / 286