لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
خپرندوی
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
شمېره چاپونه
الثانية
د چاپ کال
۱۴۰۲ ه.ق
د خپرونکي ځای
دمشق
ژانرونه
عقائد او مذهبونه
مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهِ وَلَا اضْطِرَارٍ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا «لَا يَخْلُقُ الْخَلْقَ سُدًى» أَيْ هَمَلًا بِلَا أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ وَلَا حِكْمَةٍ، وَمَعْنَى السُّدَى الْمُهْمَلُ، وَإِبِلٌ سُدًى إِذَا كَانَتْ تَرْعَى حَيْثُ شَاءَتْ بِلَا رَاعٍ «كَمَا أَتَى فِي النَّصِّ» الْقُرْآنِيِّ، وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَالْآثَارِ مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ جِدًّا أَنَّ اللَّهَ ﵎ لَا يَفْعَلُ إِلَّا لِحِكْمَةٍ وَعِلْمٍ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، فَمَا خَلَقَ شَيْئًا وَلَا قَضَاهُ وَلَا شَرَعَهُ إِلَّا بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَإِنْ تَقَاصَرَتْ عَنْهُ عُقُولُ الْبَشَرِ «فَاتَّبِعِ الْهُدَى» بِاقْتِفَاءِ الْمَأْثُورِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَلَا تَجْحَدْ حِكْمَتَهُ كَمَا لَا تَجْحَدْ قُدْرَتَهُ فَهُوَ الْحَكِيمُ الْقَدِيرُ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: وَنَشَأَ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْسِينِ، وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ، فَأَثْبَتَ ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ، وَالْكَرَّامِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ ﵃ وَحَكَوْا ذَلِكَ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْسِهِ ﵁، وَنَفَى ذَلِكَ الْأَشْعَرِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَاتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ إِذَا فُسِّرَ بِكَوْنِ الْفِعْلِ نَافِعًا لِلْفَاعِلِ مُلَائِمًا لَهُ، وَكَوْنِهِ ضَارًّا لِلْفَاعِلِ مُنَافِرًا لَهُ أَنَّهُ تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْعَقْلِ كَمَا يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ، وَظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ الْمَعْلُومَ بِالشَّرْعِ خَارِجٌ عَنْ هَذَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - وَنَدَبَ إِلَيْهَا هِيَ نَافِعَةٌ لِفَاعِلِيهَا وَمَصْلَحَةٌ لَهُمْ، وَجَمِيعُ الْأَفْعَالِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا هِيَ ضَارَّةٌ لِفَاعِلِيهَا وَمَفْسَدَةٌ فِي حَقِّهِمْ. وَالْحَمْدُ وَالثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى طَاعَةِ الشَّارِعِ نَافِعٌ لِلْفَاعِلِ وَمَصْلَحَةٌ لَهُ، وَالذَّمُّ وَالْعِقَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ ضَارٌّ لِلْفَاعِلِ مَفْسَدَةٌ لَهُ.
وَالْمُعْتَزِلَةُ أَثْبَتَتِ الْحُسْنَ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا بِمَعْنَى حُكْمٍ يَعُودُ إِلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِهِ تَعَالَى.
قَالَ الشَّيْخُ: وَمُنَازِعُوهُمْ لَمَّا اعْتَقَدُوا أَنْ لَا حُسْنَ وَلَا قُبْحَ فِي الْفِعْلِ إِلَّا مَا عَادَ إِلَى الْفَاعِلِ مِنْهُ حُكْمٌ نَفَوْا ذَلِكَ وَقَالُوا: الْقَبِيحُ فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - هُوَ الْمُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ، وَكُلُّ مَا يُقَدَّرُ مُمْكِنًا مِنَ الْأَفْعَالِ فَهُوَ الْحُسْنُ إِذْ لَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَفْعُولٍ وَمَفْعُولٍ، وَأُولَئِكَ - يَعْنِي الْمُعْتَزِلَةَ - أَثْبَتُوا حُسْنًا وَقُبْحًا لَا يَعُودُ إِلَى الْفَاعِلِ مِنْهُ حُكْمٌ يَقُومُ بِذَاتِهِ، وَعِنْدَهُمْ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ لَا وَصْفٌ وَلَا فِعْلٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَتَنَاقَضُونَ، ثُمَّ أَخَذُوا يَقِيسُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَحْسُنُ
1 / 284