237

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

خپرندوی

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

۱۴۰۲ ه.ق

د خپرونکي ځای

دمشق

وَغَيْرُهُ: الْأُصْبُعُ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ عَلَى الشَّيْءِ، وَسُهُولَةِ تَقَلُّبِهِ، كَمَا يَقُولُ مَنِ اسْتَسْهَلَ شَيْئًا وَاسْتَخَفَّهُ مُخَاطِبًا لِمَنِ اسْتَثْقَلَهُ أَنَا أَحْمِلُهُ عَلَى أُصْبُعِي، وَأَرْفَعُهُ بِأُصْبُعِي، وَأَمْسِكُهُ بِخِنْصَرِي، فَهَذَا مِمَّا يُرَادُ بِهِ الِاسْتِظْهَارُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الشَّيْءِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أَعْظَمَ الْمَوْجُودَاتِ، وَكَانَ إِمْسَاكُهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ كَالشَّيْءِ الْحَقِيرِ الَّذِي نَجْعَلُهُ بَيْنَ أَصَابِعِنَا، وَنَهُزُّهُ بِأَيْدِينَا، وَنَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شِئْنَا، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى قُوَّتِهِ الْقَاهِرَةِ، وَعَظَمَتِهِ الْبَاهِرَةِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ.
قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَنَزَّهَ السَّلَفُ عَنْ تَأْوِيلِهِ كَأَحَادِيثِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْيَدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيَجْرِي بِلَفْظِهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَبَّهَ بِمُشَبَّهَاتِ الْحُسْنِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنَى الْمَجَازِ فِي الِاتِّسَاعِ، بَلْ يُعْتَقَدُ أَنَّهَا صِفَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا كَيْفِيَّةَ لَهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا تَنَزَّهُوا عَنْ تَأْوِيلِ هَذَا الْقِسْمِ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَهُ، وَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَضِيهِ الْعَقْلُ إِلَّا وَيَمْنَعُ مِنْهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ - فِي رِسَالَتِهِ التَّدْمُرِيَّةِ: إِذَا قَالَ قَائِلٌ ظَاهِرُ النُّصُوصِ مُرَادٌ أَوْ لَيْسَ بِمُرَادٍ؟ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: لَفْظُ الظَّاهِرِ فِيهِ إِجْمَالٌ وَاشْتِرَاكٌ، فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ يَعْتَقِدُ أَنَّ ظَاهِرَهَا التَّمْثِيلُ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ أَوْ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِمْ فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَلَكِنَّ السَّلَفَ وَالْأَئِمَّةَ لَمْ يَكُونُوا يُسَمُّونَ هَذَا ظَاهِرًا وَلَا يَرْتَضُونَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ كُفْرًا وَبَاطِلًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ الَّذِي وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ إِلَّا مَا هُوَ كُفْرٌ وَإِضْلَالٌ - إِلَى أَنْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ " «قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ» " فَقَالُوا قَدْ عَلِمَ أَنْ لَيْسَ فِي قُلُوبِنَا أَصَابِعُ الْحَقِّ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَوْ أَعْطَيْتُمُ النُّصُوصَ حَقَّهَا مِنَ الدَّلَالَةِ لَعَلِمْتُمْ أَنَّهَا لَمْ تَدُلَّ إِلَّا عَلَى حَقٍّ
أَمَّا الْوَاحِدُ فَقَوْلُهُ ﷺ " «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ صَافَحَهُ وَقَبَّلَهُ فَكَأَنَّمَا صَافَحَ اللَّهَ تَعَالَى وَقَبَّلَ يَمِينَهُ» " صَرِيحٌ أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ هُوَ صِفَةَ اللَّهِ، وَلَا هُوَ نَفْسَ يَمِينِهِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: فَكَأَنَّمَا صَافَحَ اللَّهَ، وَقَبَّلَ يَمِينَهُ، فَالْمُشَبَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمُشَبَّهَ بِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ قَوْلَهُ ﷺ " «قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ» " فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ظَاهِرِهِ أَنَّ الْقَلْبَ مُتَّصِلٌ بِالْأُصْبُعِ وَلَا مَمَاسٌّ لَهَا وَلَا أَنَّهَا فِي

1 / 237