234

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

خپرندوی

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

۱۴۰۲ ه.ق

د خپرونکي ځای

دمشق

بِمَعْنَى التَّبْجِيلِ وَالتَّعْظِيمِ، يُقَالُ فُلَانٌ عِنْدَنَا بِالْيَمِينِ، أَيْ بِالْمَحَلِّ الْجَلِيلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَقُولُ لِنَاقَتِي إِذَا بَلَغَتْنِي ... لَقَدْ أَصْبَحْتِ عِنْدِي بِالْيَمِينِ
أَيْ بِالْمَحَلِّ الرَّفِيعِ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ:
أَلَمْ أَكُ فِي يُمْنَى يَدَيْكَ جَعَلْتَنِي ... فَلَا تَجْعَلْنِي بَعْدَهَا فِي شِمَالِكَا.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ فِي كِتَابِهِ - الْقَوْلُ الْبَدِيعُ فِي عِلْمِ الْبَدِيعِ -: أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَلَمْ أَكُنْ قَرِيبًا مِنْكَ فَلَا تَجْعَلْنِي بَعِيدًا عَنْكَ، فَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى لَفْظِ التَّمْثِيلِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمَعْنَى، لِمَا تُعْطِيهِ لَفْظَتَا الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ مِنَ الْأَوْصَافِ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَشَدُّ قُوَّةً، فَهِيَ مُعَدَّةٌ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَكُلِّ مَا شَرُفَ، وَالشِّمَالُ بِالْعَكْسِ وَالْيَمِينُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْيُمْنِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ وَالشِّمَالُ مِنَ الشُّؤْمِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَلَمْ أَكُنْ مُكْرَمًا عِنْدَكَ فَلَا تَجْعَلْنِي مُهَانًا، وَقَدْ كُنْتُ مِنْكَ بِالْمَكَانِ الشَّرِيفِ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْوَضِيعِ.
وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ ذِكْرُ الشِّمَالِ لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الشِّمَالِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ طَرِيقَيْنِ، فِي أَحَدِهِمَا جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَفِي الْآخَرِ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، وَهُمَا مَتْرُوكَانِ، قَالَ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ سَمَّى «كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينًا» (؟)، وَكَأَنَّهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَرْسَلَهُ مِنْ لَفْظِهِ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ، أَوْ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ مَنْ ذِكْرِ الشِّمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْيَمِينِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ فِيمَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ صِفَةِ الْيَدَيْنِ شِمَالٌ، لِأَنَّ الشِّمَالَ مَحَلُّ النَّقْصِ وَالضَّعْفِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِهِ " السُّنَّةِ ": مَذْهَبُنَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْآثَارِ، وَمُتَّبِعِي السُّنَنِ، وَلَا نَلْتَفِتُ إِلَى جَهْلِ مَنْ يُسَمِّيهِمْ مُشَبِّهَةً، إِذِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ جَاهِلُونَ بِالتَّشْبِيهِ، فَنَحْنُ نَقُولُ: لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا يَدَانِ كَمَا أَعْلَمَنَا الْخَالِقُ الْبَارِي فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى ﷺ، وَنَقُولُ كِلْتَا يَدَيْ رَبِّنَا ﷿ يَمِينٌ عَلَى مَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ، وَنَقُولُ إِنَّ اللَّهَ ﷿ يَقْبِضُ الْأَرْضَ جَمِيعًا بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينَانِ لَا شِمَالَ فِيهِمَا.
ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ يَكُونُ مُشَبِّهًا مَنْ يُثْبِتُ لِلَّهِ تَعَالَى أَصَابِعَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ

1 / 234