217

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

خپرندوی

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

۱۴۰۲ ه.ق

د خپرونکي ځای

دمشق

مُتَّصِفٌ بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمَاثِلُهُ فِيهِ أَحَدٌ، فَمَذْهَبُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ إِثْبَاتُ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الصِّفَاتِ، وَنَفْيُ مُمَاثَلَتِهِ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الصِّفَاتِ بِمَا لَعَلَّ فِيهِ كِفَايَةً لِمَنْ تَبَصَّرَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. تَنْبِيهٌ
اخْتَلَفَ النُّظَّارُ فِي صِفَاتِ الْبَارِي ﷿، هَلْ هِيَ عَيْنُ ذَاتِهِ تَعَالَى، أَوْ غَيْرُ ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ، وَبِهَذِهِ الشُّبْهَةِ نَفَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الصِّفَاتَ عَنِ الذَّاتِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِمَّا أَنْ تَكُونَ الصِّفَاتُ حَادِثَةً، فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِذَاتِهِ، وَخُلُوُّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ عَنِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْحَيَاةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْكَمَالَاتِ، وَصُدُورِهَا عَنْهُ تَعَالَى بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ أَوْ بِشَرَائِطَ حَادِثَةٍ، وَالْجَمِيعُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً فَيَلْزَمُ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ، وَهُوَ كُفْرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَفَرَ النَّصَارَى بِثَلَاثَةِ قُدَمَاءَ فَكَيْفَ بِالْأَكْثَرِ.
وَالْجَوَابُ إِنَّمَا الْمَحْظُورُ فِي تَعَدُّدِ الْقُدَمَاءِ الْمُغَايِرَةِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ تَغَايُرَ الذَّاتِ مَعَ الصِّفَاتِ، وَالصِّفَاتُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ؛ فَيَنْتَفِي التَّعَدُّدُ وَالتَّكَثُّرُ، وَلَئِنْ سَلِمَ مَا زَعَمُوا مِنْ تَعَدُّدِ الْقُدَمَاءِ فَالْمُمْتَنَعُ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ إِذَا كَانَتْ ذَوَاتًا مُسْتَقِلَّةً لَا تَعَدُّدَ ذَاتٍ وَصِفَاتٍ لَهَا، فَهَذَا مُبَايِنٌ لِقَوْلِ النَّصَارَى، كَمَا لَا يَخْفَى عَنْ ذِي بَصِيرَةٍ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَ اللَّهُ رُوحَهُ - فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الْأَصْفَهَانِيَّةِ: وَاسْمُ الْغَيْرِ فِيهِ اصْطِلَاحَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْغَيْرَيْنِ مَا جَازَ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْآخَرِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْغَيْرَيْنِ مَا جَازَ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. وَعُرِفَا أَيْضًا بِأَنَّهُمَا الْمَوْجُودَانِ اللَّذَانِ يُمْكِنُ انْفِكَاكُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ بِوُجُودٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ، فَالْغَيْرِيَّةُ كَوْنُ الْمَوْجُودِينَ يُتَصَوَّرُ انْفِكَاكُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ.
وَالْعَيْنِيَّةُ هِيَ الِاتِّحَادُ فِي الْمَفْهُومِ بِلَا تَفَاوُتٍ أَصْلًا. فَلَا يَكُونَانِ نَقِيضَيْنِ بَلْ يُتَصَوَّرُ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ بِأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ مَفْهُومَ الْآخَرِ، وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ، كَالْجُزْءِ مَعَ الْكُلِّ، وَالصِّفَةِ مَعَ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، وَبَعْضِ صِفَاتِهَا مَعَ بَعْضٍ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَالْأَوَّلِ - يَعْنِي أَنَّ حَدَّ الْغَيْرَيْنِ: مَا جَازَ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْآخَرِ - اصْطِلَاحُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَامِيَّةِ، وَالثَّانِي: وَهُوَ أَنْ حَدَّ الْغَيْرَيْنِ: مَا جَازَ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ اصْطِلَاحُ طَوَائِفَ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.

1 / 217