165

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

خپرندوی

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

۱۴۰۲ ه.ق

د خپرونکي ځای

دمشق

وَالْأَقْوَامِ دُونَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الْعِلْمُ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَبَا لَهَبٍ بِالْإِيمَانِ، وَكَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لِأَنَّ مَعْلُومَهُ تَعَالَى وَاجِبُ الْوُقُوعِ، فَلَوْ كَانَ إِيمَانُ أَبِي لَهَبٍ وَاقِعًا فِي عِلْمِهِ تَعَالَى لَوَقَعَ، وَلَمْ يَقَعْ، وَأَمَّا الْإِرَادَةُ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِهِ وَلَمْ يُرِدْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعُ، قَالُوا: فَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى حُدُوثِ الْكَلَامِ لَا يَنْفِي قَوْلَنَا بِقَدَمِهِ، لِأَنَّ مَا قَالُوا فِي حُدُوثِهِ وَجْهَانِ مَعْقُولٌ وَمَنْقُولٌ فَالْمَعْقُولُ:
أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدِيمًا يَلْزَمُ تَحَقُّقَ الْأَمْرِ بِلَا مَأْمُورٍ، وَهُوَ سَفَهٌ وَعَبَثٌ، وَهَذَا إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ لَفْظِهِ، لَا عَلَى حُدُوثِ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ، لِأَنَّ مَعْنَى أَمْرِهِ فِي الْأَزَلِ أَنَّهُ تَعَالَى يَطْلُبُ فِي الْأَزَلِ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنَ الْمَأْمُورِينَ عِنْدَ وُجُودِهِمْ فِي اللَّايَزَالِ، كَطَلَبِ الْوَالِدِ التَّعَلُّمَ مِنْ وَلَدٍ سَيُوجَدُ، وَلَا سَفَهَ فِي ذَلِكَ وَلَا عَبَثَ، قَالُوا: وَالْمَنْقُولُ أَنَّ الْقُرْآنَ ذِكْرٌ، وَالذِّكْرُ مُحْدَثٌ، وَنَقَلُوا مِنْ جِنْسِ هَذَا الْكَلَامِ ضُرُوبًا.
[موافقة الأشعرية للمعتزلة]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ مُوَافِقَةٌ الْأَشْعَرِيَّةَ، وَالْأَشْعَرِيَّةَ مُوَافِقَةٌ الْمُعْتَزِلَةَ فِي أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَمْ تُثْبِتْ لِلَّهِ كَلَامًا سِوَى هَذَا، وَالْأَشْعَرِيَّةَ أَثْبَتَتِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ الْقَائِمَ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَخْلُوقَ كَلَامُ اللَّهِ، وَالْأَشْعَرِيَّةَ لَا يَقُولُونَ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، نَعَمْ يُسَمُّونَهُ كَلَامَ اللَّهِ مَجَازًا هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ مُتَقَدِّمِيهِمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَأَخَّرِيهِمْ: لَفْظُ كَلَامٍ يُقَالُ عَلَى هَذَا الْمَنْزِلِ الَّذِي نَقْرَؤُهُ وَنَكْتُبُهُ فِي مَصَاحِفِنَا، وَعَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَكِنَّ هَذَا يَنْقُضُ أَصْلَهُمْ فِي إِبْطَالِ قِيَامِ الْكَلَامِ بِغَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ، وَهُمْ مَعَ هَذَا لَا يَقُولُونَ إِنَّ الْمَخْلُوقَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ مَعَ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ كَلَامُهُ حَقِيقَةً، بَلْ يَجْعَلُونَ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلَامًا لِغَيْرِ اللَّهِ، وَهُوَ كَلَامُهُ حَقِيقَةً.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ. وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ أَقْرَبُ. قَالَ: وَقَوْلُ الْآخَرِينَ هُوَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ الْمَحْضَةِ، لَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ فِي الْمَعْنَى مُوَافِقُونَ لِهَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا يُنَازِعُونَهُمْ فِي اللَّفْظِ الثَّانِي، إِذَا هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لِلَّهِ كَلَامٌ هُوَ مَعْنًى قَدِيمٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ، وَالْخَلْقِيَّةُ يَقُولُونَ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ كَلَامٌ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَالْكُلَّابِيَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْخَلْقِيَّةِ فِي الظَّاهِرِ، لَكِنَّ جُمْهُورَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ

1 / 165