لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Muhammad ibn Ahmad as-Safarini d. 1188 AH
123

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

خپرندوی

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

۱۴۰۲ ه.ق

د خپرونکي ځای

دمشق

شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ وَجِيزَةٍ، فَقَالَ: الْمَعْنَى سَبِّحْ نَاطِقًا بِاسْمِ رَبِّكَ مُتَكَلِّمًا بِهِ، وَكَذَا سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، الْمَعْنَى سَبِّحْ رَبَّكَ ذَاكِرًا اسْمَهُ. قَالَ: وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ تُسَاوِي رِحْلَةً، لَكِنْ لِمَنْ يَعْرِفُ قَدْرَهَا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً﴾ [يوسف: ٤٠]، وَإِنَّمَا عَبَدُوا مُسَمَّيَاتِهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ عَبَدُوا الْمُسَمَّيَاتِ، وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ نَحَلُوهَا أَسْمَاءَ بَاطِلَةً كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَهِيَ مُجَرَّدُ أَسْمَاءٍ كَاذِبَةٍ بَاطِلَةٍ، لَا مُسَمَّى لَهَا فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّهُمْ سَمَّوْهَا آلِهَةً وَعَبَدُوهَا لِاعْتِقَادِهِمْ حَقِيقَةَ الْإِلَهِيَّةِ لَهَا، وَلَيْسَ لَهَا مِنَ الْإِلَهِيَّةِ إِلَّا مُجَرَّدُ الْأَسْمَاءِ لَا حَقِيقَةَ الْمُسَمَّى، فَمَا عَبَدُوا إِلَّا أَسْمَاءً لَا حَقَائِقَ لِمُسَمَّيَاتِهَا، وَهَذَا كَمَنْ سَمَّى قُشُورَ الْبَصَلِ لَحْمًا وَأَكَلَهَا، فَيُقَالُ: مَا أَكَلْتَ مِنَ اللَّحْمِ إِلَّا اسْمَهُ لَا مُسَمَّاهُ. [تَنْبِيهَاتٌ] [التنبيه الأول ما يوصف به الرب أو يخبر به عنه أقسام] تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: مَا يَجْرِي صِفَةً أَوْ خَبَرًا عَلَى الرَّبِّ ﵎ أَقْسَامٌ: (أَحَدُهَا): مَا يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِ الذَّاتِ، كَقَوْلِكَ ذَاتٌ، وَمَوْجُودٌ، وَشَيْءٌ. (الثَّانِي): مَا يَرْجِعُ إِلَى صِفَاتٍ مَعْنَوِيَّةٍ، كَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ. (الثَّالِثُ): مَا يَرْجِعُ إِلَى أَفْعَالِهِ، كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ. (الرَّابِعُ): مَا يَرْجِعُ إِلَى التَّنْزِيهِ الْمَحْضِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَضَمُّنِهِ ثُبُوتًا، إِذْ لَا كَمَالَ فِي الْعَدَمِ الْمَحْضِ، كَالْقُدُّوسِ السَّلَامِ. (الْخَامِسُ): مَا دَلَّ عَلَى جُمْلَةِ أَوْصَافٍ عَدِيدَةٍ، لَا تُخْتَصُّ بِصِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَى مَعَانٍ، نَحْوَ الْمَجِيدِ الْعَظِيمِ الصَّمَدِ، فَإِنَّ الْمَجِيدَ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَلَفْظُهُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلسَّعَةِ وَالْكَثْرَةِ وَالزِّيَادَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ، وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخُ وَالْعَفَارُ، وَأَمْجَدَ النَّاقَةَ عَلَفًا، وَمِنْهُ ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج: ١٥] لِسَعَةِ الْعَرْشِ وَعَظَمَتِهِ. وَالْعَظِيمُ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَكَذَلِكَ الصَّمَدُ. (السَّادِسُ): صِفَةٌ تَحْصُلُ مِنِ اقْتِرَانِ أَحَدِ الِاسْمَيْنِ وَالْوَصْفَيْنِ بِالْآخَرِ، وَذَلِكَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُفْرَدَيْهِمَا نَحْوَ الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ، الْعَفُّوِ الْقَدِيرِ، الْحَمِيدِ الْمَجِيدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْغِنَى مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَالْحَمْدَ كَذَلِكَ، وَاجْتِمَاعُ الْغِنَى مَعَ الْحَمْدِ كَمَالٌ آخَرَ، فَلَهُ ثَنَاءٌ مِنْ غِنَاهُ، وَثَنَاءٌ مِنْ حَمْدِهِ، وَثَنَاءٌ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُمَا.

1 / 123