لطائف المعارف فیما لمواسم العام من الوظائف
لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف
پوهندوی
ياسين محمد السواس
خپرندوی
دار ابن كثير
د ایډیشن شمېره
الخامسة
د چاپ کال
۱۴۲۰ ه.ق
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
تصوف
بينهما، فرأى أمَّ الدَّرداءِ مُتبذِّلَةً، فقال لها: ما شأنُكِ مُتبذِّلةً؟ فقالت: إنَّ أخاكَ أبا الدَّرداءِ لا حاجَةَ له في الدُّنيا. فلمَّا جاءَ أبو الدَّرداء قرَّبَ له طعامًا، قال له: كُلْ، قال: إني صائم، فقال: ما أنا بآكل حتَّى تأكُلَ، فأَكَلَ. فلمَّا كان اللَّيلُ ذَهَبَ أبو الدَّرداءِ ليقومَ، فقال له سلمان: نَمْ، ثم ذَهَبَ لِيقُومَ، فقال له: نَمْ، فلمَّا كان من آخرِ اللَّيلِ، قال سلمان: قُمِ الآن، فقاما فصلَّيا. فقال سلمان: إنَّ لنفسِكَ عليكَ حقًّا، وإن لِضيفِكَ عليكَ حقا، وإن لأهلِكَ عليك حقًّا، فأَعْطِ كُل ذي حَق حقَّه. فأتَيا النبي ﷺ، فذكرا ذلك له، فقال: "صَدَقَ سَلمان".
وفي رواية في غير الصحيح (^١)، قال: "ثكِلَتْ سَلْمَانَ أمُّهُ! لقد أُشْبعَ مِنَ العِلْم". وهكذا قال النبي ﷺ لعبد الله بن عمرو بن العاص لمَّا كان يَصومُ الدَّهرَ، فنَهَاهُ وأَمَرَهُ أنْ يَصُومَ صَوْمَ داودَ، "يصومُ يومًا ويُفطِرُ يومًا". وقال له: "لا أَفْضَلَ مِن ذلك". وقد (^٢) وردَ النهيُ عن صيام الدَّهرِ والتشديدِ فيه. وهذا كلهُ يدُل على أن أفضَلَ الصِّيام إلا يُستَدَامَ، بل يُعاقَبُ بينَهُ وبينَ الفِطرِ، وهذا هو الصَّحيحُ من قولِ (^٣) العلماءِ، وهو مذهَبُ أحمدَ وغيرِهِ. وقيل لِعُمَرَ: إن فلانًا يَصُومُ الدَّهرَ، فجعَلَ يَقْرَعُ رأسَهُ بقناةٍ مَعَهُ، ويقوله: "كُلْ يا دَهْرُ، كُلْ يا دَهْرُ". خرَّجه عبدُ الرزاقِ (^٤).
وقد أشار النبي ﷺ إلى الحكمةِ في ذلك من وُجوهٍ؛ منها: قولُه ﷺ في صيام الدَّهْرِ: "لا صَامَ ولا أفْطَرَ"، يعني أنه لا يجِدُ مَشقَّةَ الصِّيامِ ولا فَقْدَ الطعامِ والشراب والشهوةِ؛ لأنَّه صارَ الصِّيامُ له عادةً مألوفةً، فربَّما تضررَ بتركِهِ، فإذا صَامَ تارةً وأفطَرَ أُخْرَى حَصَلَ له بالصيام مقصودُهُ بتركِ هذه الشهواتِ، وفي نفسِهِ داعية إليها، وذلك أفضَلُ مِن أنْ يتركَها ونفسُهُ لا تتُوقُ إليها. ومنها: قولُه ﷺ في حَقّ داودَ ﵇: "كان يَصُومُ يومًا، ويُفطِرُ يومًا، ولا يَفِرُّ إذا لاقَى"، يُشيرُ إلى أنه كان لا يُضعِفُهُ صيامُه عن ملاقاةِ عدوِّه ومجاهدَتِهِ في سبيلِ اللهِ. ولهذا رُوِيَ عن النبي ﷺ أنه قال لأصحابِهِ
(^١) مصنف ابن أبي شيبة ١٢/ ١٤٨ وتهذيب ابن عساكر ٦/ ٢٠٣ برواية الأعمش عن أبي صالح. (^٢) لفظ "قد" لم يرد في آ، ش، ع. (^٣) في ب، ش، ط: "من قولي" بالياء. (^٤) المصنف ٤/ ٢٩٨ رقم (٧٨٧١).
1 / 239