لطائف المعارف فیما لمواسم العام من الوظائف
لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف
پوهندوی
ياسين محمد السواس
خپرندوی
دار ابن كثير
د ایډیشن شمېره
الخامسة
د چاپ کال
۱۴۲۰ ه.ق
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
تصوف
ثم قال رسول الله ﷺ: "لو كُنْتُ متَّخِذًا من أهلِ الأرْضِ خليلًا، لاتَّخذْتُ أبا بكرٍ خَلِيلًا، ولكِنْ أُخوَّةُ الإسلام" (^١). لمَّا كانَ الرَّسولُ ﷺ خليلَ اللّهِ (^٢)، لَمْ يَصْلُحْ له أَنْ يُخالِلَ مخلوقًا، فإنَّ الخَليلَ مَنْ جَرَتْ محبَّةُ (^٣) خليلِهِ منه مَجْرَى الرُّوحِ، ولا يَصْلُحُ هذا لبشرٍ، كما قيل:
قَدْ تَخلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوح مِنِّي … وَبذا سُمِّيَ الخَلِيلُ خَلِيلا
ولهذا المعنَى قيلَ: إن إبراهيمَ الخليلَ ﵇ أُمِرَ بذبْحِ ولدِهِ، ولم يكن المقصودُ إراقَةَ دَمِ الوَلَدِ، بل تفريغُ محلِّ الخُلَّةِ لِمَنْ لا يَصْلُحُ أَنْ يُزَاحِمَه فيها أحَدٌ.
أرُوحُ وَقَدْ خَتَمْتُ على فؤادِي … بحبِّكَ أنْ يحِل بهِ سِواكَا
فَلو أنِّي استَطَعْتُ غَضَضْتُ طَرْفِي … فَلَمْ أنظُرْ بهِ حتَّى أرَاكَا
ثم قال ﷺ: "لا يبقيَنَّ خَوْخَة في المسجدِ إلا سُدَّتْ إلَّا خوخَةُ أبي بكرٍ" (^٤).
وفي روايةٍ: "سُدُّوا هذه الأبوابَ الشَّارِعَةَ (^٥) في المسجدِ إلَّا بابَ أبي بكرٍ" (^٦).
وفي هذا الإشارَةُ إلى أنَّ أبا بكرٍ هُوَ الإمامُ بعدَه؛ فإن الإِمامَ يحتاجُ إلى سُكْنَى المسجدِ والاستطراقِ (^٧) فيه، بخلافِ غيره، وذلك مِن مصالحِ المسلمينَ المصلِّينَ في المسجدِ، ثمَّ أَكَّدَ هذا المعنَى بأَمرِهِ صرِيحًا أنْ يصلِّيَ بالناسِ أبو بكرٍ، فرُوجِعَ في ذلك فغضِبَ، وقال: "مُرُوا أبا بكرٍ يصلِّي (^٨) بالنَّاسِ"، فولَّاه إمامَةَ الصَّلاةِ دونَ غيرِه، [وأبقَى استطراقَهُ مِن دارِهِ إلى مكانِ الصلاةِ، وسَدَّ استِطْرَاقَ غيرِه] (^٩)، وفي هذا إشارة واضِحةٌ إلى استخلافِهِ على الأمَّةِ دونَ غَيرِه، ولهذا قالَتِ الصَّحابةُ ﵃ عندَ
(^١) رواه الترمذي رقم (٣٦٦١) في المناقب، باب مناقب أبي بكر الصِّدِّيق، وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال، فإنه حسن بشواهده، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" وسكت عليه.
(^٢) قوله: "خليل الله" لم يرد في (آ).
(^٣) في آ: "من جرى صحبة"، وفي ش: "من جرت صحبة".
(^٤) قطعة من حديث تقدم تخريجه.
(^٥) الأبواب الشارعة: المفتوحة. ودُور شارعة، إذا كانت أبوابها شارعة في الطريق.
(^٦) قطعة من حديث صحيح. وانظر تخريجه ورواياته في "جامع الأصول" ٨/ ٥٨٦ - ٥٨٧.
(^٧) استَطرَق إلى الباب ونحوه: سلك الطريق إليه. واستَطرَق فلانًا: طلب من الطريق في حد من حدوده.
(^٨) في ب، ط: "فليصل"، وهو قطعة من حديث حسن. انظر نصه وتخريجه في "جامع الأصول" ٨/ ٥٩٣ - ٥٩٤.
(^٩) ما بين حاصرتين سقط من (آ).
1 / 203