أرسل إلى أهل الأرض كافة فقال تعالى وما آمن معه إلا قليل وإلى حال إبراهيم عليه السلام فإنه بعث وحيدا فريدا فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي والى حال لوط عليه السلام حين أرسل إلى القرى فإن الله تعالى يقول فيه وما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين والمراد به بيت لوط عليه السلام وإلى حال موسى عليه السلام فإنه خرج ببني إسرائيل وعند ذلك قال فرعون أن هؤلاء لشر ذمة قليلون وقد خاف في أول أمره من فرعون كما قال ففرت منكم لما خفتكم وكذلك أحوال غالب الأنبياء كزكريا ويحيى وغيرهما وأنظر إلى حال سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم وإلى سيرته من أول أمره إلى آخره وإلى عدد أصحابه والمشركون يومئذ لا يحصون عددا وإن ظهر الإسلام في حال ليكون حجة على الناس فإنه يختفي في أحوال كثيرة وأزمان طويلة وناهيك بأزمنة الفترة بين الأنبياء وأن الحق لم يظهر ظهورا تاما بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلا سنين يسيرة ثم تولى الأمر الظلمة من أهل الجور فتركوا الهدى وعملوا أبا الهوى والحق معروف والسيرة محفوظة الطريق بين الصراط مستقيم ولكن من يضلل الله فلا هادي له فلما تفرقت الآراء وتشعبت الأهواء وعطلت الأحكام وأتخذ كتاب الله دغلا ومال الله دولا وعباد الله خولا غضب المسلمون لدينهم وأظهروا الحق في أمكنتهم على حسب ما أشرت إلى ذكره في ما تقدم ولما انطمست أعلام المذهب من غالب البلاد كما أسلفنا ذكره اختفى على الأغبياء الجهلة ما نحن عليه من الحق الواضح و اشتغلوا بالسب والطعن ولا يضر المسلمين شيء من ذلك فقد قيل لنبيهم عليه الصلاة والسلام أنه ساحر ومجنون وقيل أنه كاهن وأنه شاعر فلم يضره ذلك بل زاده رفعة عند ربه صلوات الله وسلامه ولنا فيه أسوة حسنة.
مخ ۱۵