لامرتين في سنيه الأخيرة
في العام 1860 نشر لامرتين جميع مؤلفاته على نفقته الخاصة في واحد وأربعين مجلدا؛ على أن تلك الجهود المتواصلة التي كان يبذلها لم تبلغه إلى الغاية المنشودة؛ فالدائنون بقوا يرهقونه بطلباتهم المتواصلة، وفي العام 1861 باع قصر ميللي وأتبع به قصر مونسو، ولم يبق من جميع الأملاك التي كان يحبها إلا قصر سان بوان. وكان بعض من أصدقائه قد باشر جمع الإعانات المالية لإنقاذه مما هو فيه، إلا أنه لم يفلح؛ فالشعب كان قد أعرض عنه وحاد عن طريقه. على أن نابوليون الثالث كان لا يزال يعطف على الذي أنقذ البلاد في وقتها العصيب ورفع العلم المثلث الألوان إلى الأبد؛ ففي العام 1867 اقترح على المجلس التشريعي مشروعا وطنيا يمنح لامرتين خمسة وعشرين ألف فرنك دخلا سنويا يعطى من مال الخزينة.
لامرتين على فراش الموت
بقي لامرتين يواصل إصدار مجلته الأدبية، إلا أن جلده ما لبث أن خار وضعف عزمه؛ ففي العام 1868 شعر بتعب شديد يستولي عليه، وراح يغرق في بحران عميق، وكانت فالانتين، مؤاسيته الوحيدة، تقرأ له كل ليلة رسائل شيشرون، ورسائل فولتير، وتاريخ القنصلية والإمبراطورية.
وأقبل الموت عذبا بطيئا، فبعد نزع دام أياما فاضت روح هذا الرجل العظيم، وكانت عيناه محدقتين إلى صليب أرسلته إليه «إلفير» قبل موتها.
قال صديقه ديكونيه: «ترك الحياة ببساطة ومن غير أن يودعها بسوى ابتسامة باسلة. وكان مضجعا على سرير كبير من خشب الورد ومسندا رأسه إلى كتف فالانتين.»
مأتم لامرتين
كان الشاعر قد أوصى فالانتين بأن يدفن ببساطة وهدوء، فلما فاضت روحه، رفضت فالانتين ده سيسيا أو ده لامرتين نزولا على إرادة خالها أو زوجها، أن تجري له المآتم الشعبية التي كان الإمبراطور قد منحها لجثمان الشاعر، وجيء بالجثة إلى سان بوان من غير أن يواكبها إلا جمع قليل لا يجاوز ثلاثين شخصا، بينهم اثنان من أعضاء المجمع العلمي ، هما جول ساندو وإميل أوجيه، وثلاثة من الكتبة، هم ده لابراد وإسكندر ديماس الابن ولويس راتيسبون، ورجل واحد من السياسيين، هو إميل أوليفيه. أما الجمهوريون والحكومة الموقتة التي كان الشاعر رئيسها فلم يحضر واحد منهم. وهكذا مضى الرجل العظيم إلى مقره الأخير.
على أن الموكب لم يكد يصل إلى ماكون وإلى سان بوان حتى هرعت الجماهير الغفيرة لاستقباله، فالشعب الذي أحبه لامرتين في تينك المدينتين تظاهر حول نعشه بكل ما في قلبه من الشعور والنبل.
قال إميل أوليفيه في رسالة بعثها إلى إميل ده جيراردين، ونشرتها الصحف في اليوم التالي 4 آذار 1869 ما يلي: «كان مأتم عزيزنا لامرتين جديرا به ... ففي الصباح هرع جميع سكان ماكون إلى المحطة ليستقبلوا ميتا ذلك الذي أعجبوا به وهو حي. وعند وصول الجثمان، مضوا به إلى الكنيسة ولم يغادروه إلا في طرف المدينة. وإذ هو في الطريق إلى سان بوان، كان سكان القرى يهبطون لاستقباله يتقدمهم الكهنة، وكان كثير منهم يهوون على التابوت يقبلونه ويعانقونه في وسط التأوهات والحسرات. أما النهار فكان جميلا، وكانت الطبيعة فرحة مغبوطة برؤيتها شاعرها في مأمن من الأتعاب والآلام.»
ناپیژندل شوی مخ