136

لمحات له حیات شیخ الاسلام ابن تیمیه

لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية

فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار، بحيث صاروا حما، وهو الفحم المحترق بالنار. وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط.

فهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، ومع هذا أخرجتهم الرحمة ومن هذا رحمته سبحانه للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه، بهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط.

ومع هذا فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك وأنت أعلم، فما تلافاه أن رحمه الله فلله سبحانه في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر.

وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [يقول الله عز وجل: أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام] قالوا: ومن ذا الذي في مدة عمره كلها من أولها إلى آخرها لم يذكر ربه يوما واحدا ولا خافه ساعة واحدة، ولا ريب أن رحمته سبحانه إذا أخرجت من النار من ذكره وقتا أو خافه في مقام ما، فغير بدع أن تفنى النار ولكن هؤلاء خرجوا منها وهي نار.

الوجه الحادي والعشرون: إن اعتراف العبد بذنبه حقيقة الاعتراف المتضمن لنسبة السوء والظلم واللوم إليه من كل وجه ونسبة العدل والحمد والرحمة والكمال المطلق إلى ربه من كل وجه، ويستعطف ربه تبارك وتعالى عليه، ويستدعي رحمته له.

وإذا أراد أن يرحم عبده ألقى ذلك في قلبه والرحمة معه، ولا سيما إذا اقترن بذلك جزم العبد على ترك المعاودة لما يسخط ربه عليه، وعلم الله أن ذلك داخل قلبه وسويدائه، فإنه لا تتخلف عنه الرحمة مع ذلك.

مخ ۱۳۹