لجأت إلى دار الكتب، فقدمت إلى المختصين قائمة بالأعداد التي أريد الاطلاع عليها من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية. وبعد عدة ساعات من الانتظار، أبلغت بأن الأعداد التي طلبتها غير متوفرة في الوقت الحالي بسبب وجودها في قسم التجليد.
لم يعد لدي شك في الأمر، فأعملت فكري إلى أن توصلت إلى حيلة ماكرة؛ فقد مضيت إلى مكاتب إحدى المجلات النسائية الأسبوعية، وطلبت الاطلاع على الأعداد الصادرة بعد أسبوع أو أسبوعين من كل تاريخ لدي. وعندما سألني الموظف عن بغيتي احتطت للأمر، فقلت إني أعد بحثا عن أشهر الجرائم في التاريخ العربي المعاصر؛ فقد كان من عادة هذه المجلة أن تغطي أهم أحداث الأسبوع، كما أنها أفردت ركنا خاصا في كل عدد لأخبار الجرائم، وآخر لأخبار الفن.
عكفت على العمل بحماس أوقدته - في الغالب - الظواهر الغامضة التي صادفتني. وحالفني الحظ فعثرت في أحد الأعداد الصادرة حوالي أول تاريخ لدي، على صورة ل «لدكتور» في شبابه، بصفته وجها جديدا في ميدان الإنتاج السينمائي، وذلك بمناسبة نجاح فيلم كوميدي شارك في إنتاجه.
وبعد عدة أشهر من التاريخ الثاني لدي عثرت على مقال يسرد وقائع جريمة غريبة، اعتدى فيها أحد الشبان على «شخصية فنية معروفة»، وصفتها المجلة بأنها «ذات تاريخ وطني حافل».
فهمت من ثنايا المقال أن هذه «الشخصية» كانت على علاقة بأخت المعتدي. وذات يوم وجدت الفتاة ميتة في ظروف غامضة، فاتهمه أخوها بأنه السبب في وفاتها. ولم يعبأ أحد بهذا الاتهام؛ فما كان من الأخ إلا أن أطلق عليه الرصاص، فأحدث به إصابة طفيفة.
وأغرب ما في الأمر أن المجني عليه اتهم الجاني في التحقيق بأنه عضو في منظمة يسارية، ثم تصالح معه وألحقه بوظيفة في الشركة التي يديرها.
حدثني قلبي بالاسم الحقيقي لهذه الشخصية الفنية. وتأكد حدسي عندما عرضت المجلة لتاريخ صاحبها وذكرت أنه كان قبل الثورة عضوا في إحدى الجمعيات الوطنية المتطرفة التي قامت بدور بارز في الكفاح ضد الاستعمار الإنجليزي (فهي إحدى الحقائق المعروفة عن حياة «الدكتور»)، وأنه ترك دراسته عام 1947م وسارع إلى فلسطين على رأس كتيبة من زملائه المتحمسين حيث اشترك في الحرب ضد العصابات الصهيونية التي كانت تقاتل باستماتة لإنشاء دولة إسرائيل. وفي أعقاب الثورة استكمل دراسته واتجه إلى ميدان الإنتاج السينمائي.
سعدت بهذا الاكتشاف، وواصلت العمل بنفس الأسلوب؛ فأمكنني أن أجمع بعض المعلومات القيمة، وإن استغرق مني ذلك وقتا ليس بالقصير.
فقد عرفت أنه شارك في تكوين شركة لإنتاج المياه الغازية عشية العدوان الإنجليزي-الفرنسي-الإسرائيلي على مصر، وأنه كان أحد الذين تقدموا لشراء الشركات الأجنبية بعد تمصيرها في أعقاب ذلك العدوان.
وعثرت على نص كلمة ألقاها في مؤتمر اقتصادي عقد بدمشق غداة الوحدة المصرية-السورية، وصف فيها الوحدة العربية بأنها الرسالة الخالدة لكل عربي في هذا القرن، وهاجم الشيوعيين متهما إياهم بالخيانة؛ لأنهم سبق أن وافقوا على التقسيم الصادر عام 1948م، والذي كان يسمح بقيام دولتين في فلسطين، واحدة للعرب وأخرى لليهود.
ناپیژندل شوی مخ