ولكم أن تتخيلوا حيرتي؛ فأي هذه المعاني التي تعرفها اللجنة هو المقصود؟ وعم أبحث بين مئات الشخصيات التي تحدث ضجيجا لا ينتهي في كل بلد عربي على حدة، وعلى نطاق العالم العربي ككل؟!
قلبت الأمر في رأسي مدة دون أن أصل إلى رأي، وأخيرا قررت أن أستعرض الأسماء المعروفة في المنطقة من مختلف المجالات، دون أن أتقيد بمقياس معين لهذه المعرفة. ومن خلال استبعاد الواحد منها بعد الآخر، أحصر البحث في عدد محدود من الأسماء والمعايير، ثم أتخذ قرارا بشأن المعيار النهائي في اختيار أحدها.
بدأت بالزعماء السياسيين والحكام؛ فليس هناك من هم أكثر إحداثا للضجيج منهم، ولا أقوى، لكني لم ألبث أن تبينت المشاكل التي ستترتب على اختيار أحدهم؛ فالمعروف أن الجدل يثور كثيرا حولهم، ومن شأن دراسة كالتي أنا مقدم عليها أن تتعرض لتقويم الشخصية المختارة. وفي هذه الحالة تكون ثمة فرصة - قد لا تتوفر في حالات أخرى - لأن أتخذ وجهة نظر تتعارض مع تلك التي تتبناها اللجنة.
استقر رأيي على استبعاد الساسة والحكام ، وأتبعتهم بالقادة العسكريين عندما لم تسعفني ذاكرتي باسم واحد منهم. ثم أسقطت الشعراء من حسابي لأني لا أستسيغ - ربما عن خطأ - كلماتهم الفضفاضة ومعانيهم المبهمة؛ وبذلك فأنا من البداية متحيز ضدهم، وهو أمر يخل بالموضوعية الكاملة التي لا بد أن تتوفر في دراسة كالتي أنا بصددها.
دونت أسماء عدد من الكتاب البارزين. وعندما أخذت في تحليل وضع كل منهم، وجدت أن ما نالوه من مكانة يعود إلى الأفكار والمبادئ التي دعوا إليها في وقت ما. وبمزيد من التحليل تبينت أنهم أصبحوا فريقين؛ الأول التزم الصمت، سواء عن رهبة أو قنوط، رغم أنه يعرف أكثر من غيره حقيقة ما يجري، والفريق الآخر تراجع بسهولة ويسر عن دعاويه السابقة، بل وتنكر لها.
وبحثت عبثا عن قاض واحد ارتبط اسمه بوقفة مجيدة إلى جانب الحق. ومن هذه الزاوية أيضا أمكنني أن أتخلص من الصحفيين وزعماء العمال، وسرعان ما ألحقت بهم من يدعون بنواب الشعب.
واكتشفت أن أغلب العلماء والأطباء والفنانين والمهندسين والمدرسين وأساتذة الجامعات كانوا مشغولين بجمع الثروات عن القيام بعمل واحد من شأنه أن يضعهم في دائرة الضوء، أو بالقرب منها. حقا إن صيت بعض من هاجر منهم طبق الآفاق بما حققه من كشف أو ابتكار في مجاله (رغم شكي أن الأمر في كثير من الحالات لا يتعدى الدعاية المفتعلة). لكنه فعل ذلك في الخارج، بعد أن نشأ وتعلم بين ظهرانينا، ووضعت ابتكاراته وكشوفه على الفور لخدمة البلاد الأجنبية وأهلها. فأي علاقة صارت تربطه بموطن نشأته؟!
توقفت طويلا عند عدد من المغنين والمغنيات الذين يتمتعون بشعبية واسعة بين جميع العرب، وتتابعهم الآذان بشغف من فوق قمم الجبال، وفي متاهات الصحراء، ومراكز المدن، لكن الكلمات المبتذلة والألحان الرخيصة التي يرددونها نفرتني منهم. وكنت أميل إلى صوت أحد كبارهم، الذي استطاع بعبقرية من نوع خاص أن يبقى فوق القمة أكثر من نصف قرن، طافيا فوق سطح الأحداث التي عصفت بهذه الأمة. لكني كنت أعرف، بحكم ظروف عرضت لي، المصدر الأصلي لأغلب الألحان التي نسبها لنفسه، كما كنت أعرف أيضا أنه يقدم ما يشبه الرواتب الشهرية لعديد من الشخصيات الإعلامية التي تعمل على حراسة مجده، وأنه يحارب بلا هوادة أية أصوات جديدة منافسة.
وقضيت وقتا مماثلا أدرس موقف تلك الدمى التي تملأ فراغ الشاشتين الكبيرة والصغيرة على السواء، فلم أجد لدي حماسا لتقصي أمر أحدها. فبالرغم من دقة وضعي، وحاجتي الشديدة لرضاء اللجنة، فاني آليت على نفسي في كل أموري ألا أقوم بعمل من الأعمال إلا ويكون له صدى في نفسي، ويستجيب لشيء عميق أو أصيل في داخلي.
لم يتبق غير الراقصات اللاتي تظهر صورهن في الصحف كل يوم، ويأتي للاستمتاع بمشاهدتهن في الملاهي المتناثرة تحت سفح الأهرامات العتيدة، آلاف المبعوثين المتعطشين إلى المعرفة من مختلف أركان الوطن العربي.
ناپیژندل شوی مخ