د آزادۍ او چپتیا سندره: د لسمې پېړۍ جرمن شاعري
لحن الحرية والصمت: الشعر الألماني في القرن العشرين
ژانرونه
Tage
التي ظهرت سنة 1958م بعد وفاته.
ولعل المجد الذي حظي به «بن» في هذه السنوات المتأخرة التي وصفها بالمرحلة التعبيرية الثانية في حياته كان نتيجة نوع من سوء الفهم ... فقد خلت قصائده الأخيرة من ذلك الوهج الشاذ، الذي تميزت به أشعار رجل كتب قبل ذلك بثلاثين أو أربعين سنة، أدق وأغرب شعر عرفه ذلك العصر.
كانت قصائده التي ظهرت بعد الحرب قد فقدت كثيرا من العنف والتحدي الذي تميز به؛ الكلمات ذات المعاني المتعددة الطبقات والمستويات، والاصطلاحات العلمية والحضارية المختارة من بحر ثقافي فياض، والأساطير والرموز المستمدة من روح البحر الأبيض المتوسط.
سحر «بن» القراءة فترة طويلة، ولكن السحر عمره قصير، فلم تلبث الأجيال الشابة أن تحررت من موهبته الخطرة، وطغت عليه أسماء أخرى أخذت تقدم للقارئ صدق التعبير وشجاعته، ولا تبهره بسحر الألفاظ الغريبة المخدرة، ولعلها أيضا أن تكون قد انصرفت عن كثير من القيم الفنية والروحية التي تنتمي للقرن التاسع عشر، والتي كانت لا تزال باقية في أعمال «بن».
أما برشت
7
فكانت شهرته أكثر إصرارا وأشد عنادا من «بن»، الذي مات قبله بأسابيع قليلة في برلين، ولم تأت هذه الشهرة وحسب من أعماله المسرحية التي غزت مسارح العالم في الشرق والغرب، ولا من نظريته عن المسرح الملحمي التي دعمها بكتاباته النقدية العديدة، بل جاءت كذلك من قصائده التي كتب لها طول العمر؛ لأنها ارتبطت بموقف فكري وأخلاقي صلب لا يلين، وهذا هو الذي يجعله الشاعر الوحيد بين شعراء وطنه، الذي لم يضعف إنتاجه ولم يتغير أو ينقطع منذ أن هاجر منه سنة 1933، وراح على حد قوله: «يغير بلدا ببلد كما يغير حذاء بحذاء» ... كان قبل هجرته قد بلغ مكانة مرموقة في الأدب، ثم أنضجته سنوات التجوال والعذاب، وصارت لغته أكثر اقتصادا وإيجازا، وتوارت لهجته التعليمية أو كادت، واكتسب وجهه الأدبي قناع الحكيم الشرقي الماكر الحزين، وشغلت الحياة الأدبية بمسرحه كما شغلت بقصائده الملتزمة الهادئة، ولعلها ستظل مشغولة به بعد أن تضاءل تأثير «بن»، وخبت هالة السحر التي شعت من صنعته الفنية الباهرة.
وشعر «برشت» يخلو من الكلمات الضخمة، حتى ليوشك أن يحذرنا من الشعر نفسه بمعناه التقليدي (أو بالأحرى بكل أمراضه البرجوازية!)، ونحن نظلم برشت إن قلنا أن شعره سياسي، وقد ننصفه لو قلنا أنه في مجموعة شعر نقدي أو موضوعي أو عقلاني، نضرب لهذا مثالا بإحدى قصائده التي يتحدث فيها أحد سكان الغرف المؤجرة في المدينة الكبيرة، إلى إحدى الأشجار التي تنمو في فناء البيت الذي يسكن فيه، إنه يخاطبها كما لو كانت تمثل نظاما يستبعده وينبذه وينفيه، فالشجرة هنا «ملك» صاحب البيت، والشاعر يكلمها ويتذكر أسلافه الذين عاشوا مع الطبيعة في مودة وألفة، واستطاعوا أن يتحدثوا عنها أو معها حديث الحبيب للحبيب، أما هو فتفصله عنها مسافة البعد - ولا بد أن يخاطبها باحترام! ومعنى هذا أن الواقع الذي يحيا فيه الشاعر يحدث فيه شيء أهم، شيء يعنيه أكثر مما تعنيه كل العواطف التقليدية التي نسميها شعرا، إن مجرد اعتبار صاحب البيت أن الشجرة ملك له، وإثبات حقه المطلق في التصرف فيها يغضبه ويستفزه للهجوم عليه، وموقفه هو موقف من يرفض أن يغمض عينيه على الفظائع التي ترتكب أمامه، ويأبى السكوت على نظام فاسد أو الهرب منه إلى نظام آخر لا يقل عنه فسادا وزيفا، فليواجه إذن هذا النظام ويمسك الثور من قرونه، بدلا من الفرار إلى نظام لغوي أو فني متضخم بالكلمات الطنانة والعواطف الكاذبة، وليكن شعره أداة النظر الموضوعي والعقلي البارد المصقول كالسيف، وليجتث به أدغال المبالغة والعذوبة المسمومة والزيف!
و«برشت» في الحقيقة يمثل مشكلة بالنسبة للنقد الحديث، فالحكم الموضوعي عليه في هذه المرحلة التاريخية يكاد يكون مستحيلا؛ لأن أعماله التي تركها بعد وفاته لم تنشر كلها بعد؛ ولأن موجة التحمس له أو السخط عليه لم تنحسر إلى اليوم، كما أن موقفه من التطبيق العملي للاشتراكية في النظام الذي عاش سنواته الأخيرة في ظله وموقف هذا النظام منه لم يتضحا كل الوضوح، هذا إلى أن الموضوعية التامة المطلقة (وهي فيما أظن تكاد تكون مستحيلة في الأدب أو في غيره من الفنون والعلوم) تتنافى مع صميم إنتاجه والغاية منه، فنحن إن اعتبرنا الشقاق بين مذهبه النظري وبين الممارسة العملية، وحاولنا أن نحسب له أو عليه ظلمناه في الحالين؛ لأنه سيكون في الحالة الأولى مثاليا أو «يوتوبيا» بغير نزاع، وسيكون في الحالة الثانية مروجا أو داعية لمذهب أو نظرية، تجمدت في مرحلة معينة من مراحل تطورها، واعترفت هي نفسها بضرورة تجددها وإذابة ثلوجها، ونحن مضطرون في الوقت الحاضر على كل حال إلى التفرقة بين القيمة الفنية التي تنطوي عليها أعماله، وهي قيمة لا شك فيها، وبين النظرية أو المذهب الذي دافع عنه، وليس من حقنا على أية حال أن نتشكك في إخلاصه الدائم للاشتراكية، وجموع الكادحين والفقراء والمضطهدين في كل مكان وزمان.
ناپیژندل شوی مخ