فإذا أتم الشعراء كلمات المدح والثناء أقبل العازفون وأهل الغناء فأجزلوا لها من الطرب، وكالوا لها من كل لحن عجب.
فإذا خرج هؤلاء دخل الأمراء والوزراء والكبراء والعلماء والحكماء، هذا يسجد وهذا ينحني، وهذا يقبل اليد ثم ينثني، وهذا يضحكها بنادرة يرويها وهذا يهز أعطافها بحكمة يلقيها، والكل بين المهابة فيها والإعجاب، يبالغون لعروس اليونان في الخطاب.
ثم يؤتى إليها من أقاصي المدينة بالتحف الغالية والهدايا الثمينة؛ برهانا إثر برهان على ولاء رعيتها الصادقة الأمينة.
وبالجملة، كانت لادياس في كل صبح هي العناية في ملك، والشمس الورود في فلك، ظل للرعية وعصمة، وسلام فيهم ورحمة، تمنح إذا الدنيا منعت، وترفع إذا الأيام وضعت، ولا تستشفع إلا شفعت.
إذا عرفت هذا شق عليك أن تعلم أن عروس اليونان؛ أصبحت في غد تلك الليلة النحيسة، لا تحكيها في شقائها وبؤسها وبلائها جارية في مملكة ساموس، بل في ممالك الأرض جمعاء؛ أصبحت في ظلمات تلك الصخرة الهائلة وسادها الحجر بعد الخز، ورداؤها الذل بعد العز.
ونكد الدنيا يتمثل لها في صورة ابن عمها وهو قائم عند رأسها يقول: انظري أين أصبحت يا لادياس.
قالت: في أسر شيطانك يا باغي وما أسرت إلا الجسم، ولن تملكه حتى تصير للدود، فلا تطمع مني بحب ولا قبول، ولا ظفر بمأمول.
بل اقتلني؛ فهو خير لك من طلب المحال، وأهون لي من عذابي بنحس وجهك المستمر.
قال: أما أني أقتلك أو أدعك تقتلين نفسك؛ فأمر لا يكون، وأما أني لا أنال ذاك المرام، فهذا يا لادياس كلام في كلام، فإن لم يكن لي أن أطمع، فإن لي أن أغصب الإرادة كما غصبت المريد.
قالت: إن للفضيلة والطهارة آلهة بهم اليوم اعتصامي، فإن لم يغنوا فإن غدا بهم انتقامي. والآن أطلب منك يا بيروس الراحة الصغرى بعد ما بخلت علي بالراحة الكبرى.
ناپیژندل شوی مخ