7

باب في التولد

التولد هو حصول واسطة بين المتجدد والفاعل له، يسمى مؤثره، ويجب تأثيرها في المتجدد. ولا يصح عند الاعتبار حصول واسطة بين الفعل والفاعل، لأن هذا التأثير لا يخلو أن يكون تأثير الفاعل أو ليس تأثيره. فإن كان تأثير الأمر المتوسط تأثير الفاعل، لزم حصول المؤثر عن مؤثرين وتقدم امتناعه. وأما أنه ليس تأثيره فلا بد من القول إما بتأثير الفاعل والواسطة مقترنان اقترانا متلازما، لا انفكاك لأحدهما من الآخر أو لا. فإن لم يتلازما حصل تأثير الفاعل مع ارتفاع تأثير الواسطة، وإذا حصل ذلك امتنع كونها واسطة لارتفاع حصول الحاجة إليها، إذ لو كانت الحاجة إليها داعية لكانت عند الفعل، فقد ثبت استقلال الفاعل من كونها. وفي ذلك رجوع الأفعال عن كونها متولدة إلى كونها مبتدأة. فيؤدي ذلك إلى أن تكون PageBegV00P017b الوسائط كثيرة وكل واحد منها مؤثرا عما فوقه، مؤثرا لما تحته، فيمر ذلك إلى الأول الذي هو أول الوسائط، وذاك وحده يكون مؤثرا عن الفاعل الأول. وما دللنا به من استحالة حصول واسطة بين الفعل والفاعل يدل على بطلان هذا القول، وفيه ما يغني عن الإطالة في الكلام في هذا الفن، إذ كان من السعة على حد يضيق عنه هذا الكتاب، وقد استوفينا الكلام فيه استيفاء شافيا في كتاب التهذيب لنا، فليقف عليه من اشتاق إليه. والمتولدات يتعلق بفاعلها كتعلق المبتدآت، وتتناول المدح والذم. والأسباب الحاصل عنها المتولدات لا بد من تعلقها بفاعل ومن حيث لأسبابها فاعل، فله بمتولداتها تعلق ليس هو لها مع غيره، فيلزم من ذلك دخولها في التكليف.

باب في الكلام على المنجمين ومن يجري مجراهم

علم النجوم علم بحركات الأفلاك والكواكب بالإرصاد، فينقسم قسمين، قسم يدعي فيه حصول التأثير عنها وأن الأمور PageBegV00P018a الجارية في الوجود عن تأثيرها، وقسم يدعي فيه أنها دلالة أو أمارة. وللكواكب عندهم حركتان، الواحدة من المشرق إلى المغرب ولا اختلاف فيها بل متفقة واتفاقها عام لجملتها، ولا تقدم لأحد منها على الآخر بسرعة أو ضدها. والحركة الأخرى مختلفة، وهي من المغرب إلى المشرق. والسبعة السيارة مختلفة الحركات. والثابتة متفقة الحركات، وحركة السيارة حركة في فلك تديرها وحركة في العرض، وهذا الاختلاف كاختلاف حركة الشمس في اختلاف جهات غروبها. وكذلك أيضا اختلاف جهات شروقها، وحركتها في الطول مختلفة بحسب ذلك، واختلاف جهات هذه الحركات يقضي بتضادها. وإذا كانت هذه الحركات متضادة فلا يصح أن يتحرك بها الواحد لاختلافالجهات في الوقت الواحد حركات متضادة لامتناع صحة حصول الواحد في مكانين في حال واحدة ، لأن كل مركب لا PageBegV00P018b بد من انتهائه إلى واحد. وما لم يكن ذلك الواحد لم تكن الكثرة لأن المركب هو ما تناول أزيد من واحد، فإن انتفى الواحد انتفت الزيادة عليه، وفي انتفاء الزيادة عليه انتفاء الأجسام، لأن الأجسام قابلة لصحة القسمة وليس إلى ما لا نهاية، إذ لو كانت تنقسم إلى ما لا نهاية، لكان حكم البعض في ذلك كحكم الجملة. وإذا صح ذلك وجب الرجوع في الأخير إلى واحد لا يتجزأ، وهو المشار إليه. وقسمتها إلى غير غاية تفضي إما إلى بقاء صورة الجسم على الأبعاد المعروفة له أم لا، فإن لم تبق أبعاده لم يكن منقسما، لأن انقسام الشيء لا يخرجه عن حقيقة جنسه. وإن بقي بصورة الأبعاد وجب أن ينقسم إلى حد ويقف عن قبول القسمة، لأنه ما لم يكن كذلك ودى إلى بطلان وجوده. وإذا ودى إلى بطلان الوجود، ودى إلى بطلان تجزئه، إذ لا تجزؤ إلا مع الوجود، وهذا دليل على وجوب انتهاء التجزؤ في الزمان والمكان وفي كل ما فيه اتصال، وذلك أن PageBegV00P019a أجزاء المتصل لا تخلو أن تلقى بقاء يترها بجهة واحدة أو بأزيد من واحدة. فإن لقيت بواحدة امتنع مع تركيبها حصول ما له أجزاء أكثر، وفي ذلك بطلان الحجمية وارتفاع الجسمية، وذلك محال. فإن لقيت بجهتين وجب الانتهاء عند ذلك، لأن في امتناع الانتهاء امتناع حصول الزيادة لصحة حصول جزء لكل جزء إلى ما لا نهاية، فيمتنع لذلك صحة الزيادة، لأن ما لا نهاية له يستحيل النقصان منه، واستحالة النقصان منه قاض باستحالة الزيادة فيه، وذلك محال. وإذا كان ذلك محالا، لزم أن تكون الحركة غاية في السرعة، وهي حصول جزء واحد في جهة واحدة حال واحدة. والسكون بالضد من ذلك لحصوله في الجهة أكثر من حال واحدة. وسير الكواكب مختلف في السرعة والبطء، وذلك لاختلاف نسب أفلاكها، ويلزم من ذلك أن لا تكون الحركة المشرقية واحدة، لأنها مع اختلاف مسافاتها يمتنع ذلك فيها، بل تعطي كل واحد منها حركته PageBegV00P019b التي بها يكون انتهاؤه إلى المقصود به، وذلك يقضي بمحرك لها، قادر مختار، يوصل إليها حركاتها بحسب مشيئته. واعلم أن الآلات الرصدية بالنسبة إلى الأجرام الفلكية لا شيء، فلذا يجب أن تكون حركاتهم فيالمقدار، فإذا تحركت الأفلاك حركات كثيرة كانت حركات الأرصاد حركات يسيرة، ووجب أن يتخللها سكتات كثيرة بنسبة الأجرام الفلكية إلى الآلات الرصدية. ولزم من ذلك لزوم حركاتها سكتات ووقفات والأجرام الفلكية، فلا سكتات ولا وقفات تتخلل حركاتها، وفي ذلك امتناع لزوم الحركات قانون واحد. والحركات المشرقية أسرع من كل واحدة من الحركات الخاصة بالكواكب، فلزم من ذلك حصول وقوف في حركات الكواكب. وإذا كان في حركاتها وقوف لزم أن يكون لها محرك من خارج. وليس في آلات الرصد ما يدل على الجهات التي فيها حركات المرصود، لا سيما مع ثبوت أن في حركات المرصود وقفات لتضاد الحركات التي فيه PageBegV00P020a وبحكم ما هو أسرع منه. واستقصاء الكلام في ذلك محتمل أن يكون في كتاب مفرد لسعة الأقوال في هذا الباب، والقصد منا تجنب التوسع. واعلم أن المنجمين، كما حكينا عنهم، يرون أن كل ما يحدث في هذا العالم إنما يحدث لأجل ما توجبه حركات الكواكب ونسبة بعضها إلى بعض وحصولها في أبراجها. وجميع ما يحدث في الأرض ليس إلا لأجل ما يحدث في السماء من حركاتها وتتشكل به هيآتها. وتأثيرها في هذا العالم يقولون به يتوسط النار والهواء الحاصل بين الكواكب وهذا العالم، فتأثيرها روحاني. ولهم في هذا كلام يطول ذكره، قد تضمنته مساطيرهم. وليس غرضنا حكايته بل إفساد ما يزعمونه من تأثيرها إما صحة وإما وجوبا. واعلم أن الكواكب لا سبيل لمثبتيها فاعلة جحد كونها أجساما لاختصاصها بجهة، ويدل أيضا على اختصاصها بالجهة صحة القرب والبعد عليها PageBegV00P020b من بعضها لبعض. وإذا ثبت أنها أجسام ثبت استحالة تأثيرها فيما لا بينها وبينه علاقة. ولا اتصال للزوم أن يكون بين كل مؤثر وتأثيره علاقة وجوبا، وإلا لم يكن كونه مؤثرا له أولى من كونه ليس مؤثرا أو كون غيره مؤثرا له لحصول التساوي في ارتفاع العلائق وما يختص بالجهات، فالعلائق المعقولة بينهم ليس إلا القرب، والقرب إن حصل في الغاية، فهو الحلول أو ما دون ذلك، فهو المجاورة، وكلاهما ليس بصحيح في الكواكب، أعني لا الحلول ولا المجاورة. وإذا كان ذلك منتفيا مع ما تقدم لنا من العلم أن من المحال أن يفعل الفاعل بالصين فعلا وهو مقيم بمصر، ولا علة يعقل لأجلها امتناع ذلك غير البعد. ويدل على صحة ذلك أنه مع القرب يمكنه ما كان متعذرا مع البعد. وكم عسى ما بين ذكرناه من البعد وما بين الكواكب وبيننا. ولو صح تأثير الكواكب، لزم اقتضاؤها جميع ما في هذا العالم، إذ لا بعض أولى من بعض. والأفعال PageBegV00P021a الاختيارية، فثابت كونها من جملة ما في هذا العالم، ويجب لذلك بطلانها لثبوت حصولها بطريق الإمكان، لأن تأثيرات الكواكب لا إمكان فيها. وثبت في الوجود مؤثرات على طريق الإمكان، فدل على امتناع إمكان كونها مؤثرة. وكان يلزم أيضا امتناع تأثيرات المعالجات لجواز أن لا يقابل ذلك تأثيرات من الكواكب. وفي حصول العلم بما يخالف ذلك دليل على فساده. ومن جعلها دالة على الحوادث فمن المعلوم أن الدليل لا يدل إلا ولا بد أن يكون بينه وبين المدلول علاقة،والعلاقة إما الفاعل وإما العلة، وإما الداعي وغير ذلك، لا يعقل، وذلك ليس موجودا. ولو كانت مؤثرة على حكم الإمكان، لما جاز أن تكون دلالة، لأن الدلالة لا تكون ممكنة، وفي ذلك بطلان تأثيرها أودلالتها. وكذلك في كونها أمارة يجب أن تكون بينها وبين ما هي أمارة عليه علاقة ومن حيث لا علاقة بينها وبين المدلول، فكذلك الأمارة.

فإن قيل: فقد رأيناها تصدق في أمور، فما علة ذلك؟ والجواب أن الذي ينبغي أن يقال هنا أن لا يصح من العقلاء الميل إلى شيء والقول به والاعتقاد لصحته من دون شيء البتة، لا بل ما هذه صورته لا يصح القول به من أحد بوجه. ونحن نعلم اعتقاد الجم الغفير لصدقها وشدة تعصبهم لتقريرها والاحتجاج لصحة تأثيرها. ومع ذلك، فلا بد من وجه لأجله كان هذا الأمر، والوجه هو أن هذا القسم له مدخل في التكليف، والتكليف من أجل ما هو تكليف يجب أن يكون في مقاومة الداعي صارفا، لكي يبقى المكلف متردد الدواعي بين أن يفعل أو ينزل، وذلك أن توفر دواعيه بحيث لا يفارقها صارف، يرفع المشقة من الفعل فيرتفع الثواب، وفي ذلك إسقاط التكليف وقد ثبت، وشكره تعالى على المنافع والمضار واجب. فعرض تعالى المكلفين بقضية التجريم إلى النظر في حقيقة الأمر وإثباته على ما PageBegV00P022a يدل الدليل عليه، فعند ذلك ينصرف عن هذا الاعتقاد لما يجب اعتقاده، فينال الثواب، وذلك كسواه من التعريضات التكليفية، فلزم أن يقع فيها صدق في بعض الأوقات، إذ لو صدقت دائما، لعاد تصديقها إلجاء. ولو كذبت دائما لبطل كونه تعريضا، وبحصول ما حصل أمكن المكلف حل الشبه الواردة عليه فيها. فبان إذا بما كشفناه وجوب أن يكون هناك داع إلى تصديقها في بعض الأحيان حتى يحصل للمكلف مشقة في الانتهاء عن اعتقاد ما يقتضيه ظاهر أمرها، فيستحق لكفه ثوابا، وفعل الداعي إلى القبيح ليس قبيحا، كما قد ثبت ذلك متقدما. وصدقها بالنظر في أمارات تتعلق بالحوادث، ولا شك في صدق الأمارات في أكثر الأوقات، وهذا نعلمه من أحوالنا عند ظنوننا عن أمارات تحصل لنا، فكثير مما يقع لنا صدقها فيما نظنه ونحدسه إلى ما سوى ذلك.

ومما يدل أيضا على بطلان القول بتأثيرها أن تأثيرها حاصل بتحركها وكل واحد منها فمتحرك، فلزم من ذلك تماثل حركاتها في الجنسية، ولزم منه أن يكون تأثيرها أيضا متماثلا غير مختلف، والمنسوب إليها من التأثيرات مختلف. ومن المحال أن يكون الاختلاف المذكور لاختلاف المواد، لأن ما في الجو من الهواء لا اختلاف فيه. ويجب لذلك سقوط قول من قال بمزاج يحصل في الجو لاتفاق المادة واتفاق الفاعل، ولا مادة تعقل أكثر مما ذكر، وهي مستديرة. ويلزم تماثل حركاتها لما هي عليه أيضا من الاستدارة، وذلك أيضا يقتضي تماثل أجرامها في الجنسية وإن حصل في كثرة وقلة لما عليه اختلاف الحركات في السرعة والبطء، وذلك لا يخرجها عن كونها جنساواحدا. وإذا ثبت أنها متماثلة في الجنسية، لزم مثل ذلك في تأثيرها، إذ كان صدور المختلف عن المتماثل محال. ولا وجه للقول بالدواعي، PageBegV00P023a إذ كانت لا داعي لها ولا على رأي مثبتيها، لأن الدواعي تأثيرها في الممكن، وتأثير الكواكب وجوبا. ويدل على فساد القول بذلك أيضا أن من جملة ما في هذا العالم المنافع والمضار، الثابت حصولها على وجه اللطف للمكلفين. فإذا صدرت عن الكواكب، جاز أن تكون مفسدة. وإذا كان فعلها جائز حصوله لغير الالتطاف مع ثبوت قبحه، قبح التمكين من فعله، إذ كانت الأفعال السارية على طريق المصالح لا يصح سريانها سرياناواحدا، لا اختلاف فيه لما يصح من كون الفعل الذي هو مصلحة الآن يكون مفسدة في غد لتغاير الوجوه والكواكب، فتأثيرها سار على نظام واحد، فقانون لا اختلاف فيه. وهذا يؤدي إلى حصول الأفعال التي تجب على القديم منعها لما فيها من الفساد القاضي برفع ما وجب ثبوته من التكليف. ويجب على القديم تعالى منع ذلك، وفي وجوب منعه وجوب امتناع تأثيرها لحصول PageBegV00P023b تأثيراتها على طريقة واحدة. ويجب أيضا منعه لها لما يجب من امتناع إخلاله تعالى بواجب. وإن منعها بعدما أوجدها مؤثرة وجوبا، دل على عبثه وجهله، لأنه كما يقبح منه فعل ذلك بذاته قبح بواسطة من فعله، تعالى الله عن ذلك.

باب في القضاء والقدر

هذا الباب كثير مما يشوش فيه الجمهور ويظنون فيه ظنونا متسعة، وليس فيه شيء، إذ كان عبارة. فما اقتضته اللغة في هذه العبارة، قضي به وزال الالتباس عنه. واعلم أن القضاء في العربية يكون بمعنى الخلق، ويدل على ذلك قوله ﴿فقضاهن سبع سموات﴾، ومعنى ذلك خلقهن، وقد يكون أيضا بمعنى إيجابا وإلزاما تكليفيا، كما قال ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه﴾. وقد يكون أيضا إعلاما وإنذارا، كما قال ﴿وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين﴾، معناه أخبرناهم وأعلمناهم. فهذا PageBegV00P024a معنى قضى في اللغة العربية. وأما معنى قدر، فكمثل. قد يكون أيضا بمعنى خلق، والخلق هو التقدير الواقع من المقدر لغرض صحيح، كقوله ﴿وخلق كل شيء فقدره تقديرا﴾. وقد يستعمل أيضا في معنى البيان عن ما يريد تبيينه، كقول القائل: قدر من هذا الثوب قميصا. وقد يستعمل في موضع الكتابة والإخبار، كما قال ﴿إلا امرأته قدرناهامنالغابرين﴾. فإن قال قائل: لا يجوز وصف القديم بذلك، لأن الصانع إنما يقدر، ليظهر له حال ما يقدره لجهله به، فقد أفاد نفسه ما لم يكن عنده قبل التقدير. والجواب أنه ليس يلزم في كل مقدر أن تقديره ليس إلا ليكشف عند نفسه حال المقدر، وذلك ظاهر من علمنا أن الخياط يعلم من حال الخرقة ما يغنيه عن تقديرها، وإن قدرها فليعلم غيره بحالها مع غناه عن ذلك التقدير. وما نعلمه من أنا نستشير الصناع في تقدير أمور كثيرة، فيقدرونها ليكسبونا حالا هي حاصلة لهم. وليس هذا مستغلقا PageBegV00P024b فيفتقر إلى زيادة في شرح. ولا يجوز إطلاق هذه العبارة في شيء من أفعال العباد وإن حسن من القديم إطلاق ذلك، كما لا يجوز أن يقال: نزل الله وجاء الله، وإن حسن منه تعالى إطلاق ذلك في حقه.

باب في الآجال

الأجل هو الوقت المقدر المبين، وكذلك كان أجل الدين هو الوقت، ويقولون:بعت الشيء إلى أجل كذا، ويستحق علي في أجل كذا. وإذا ثبت ذلك، كان أجل موت الإنسان هو وقت موته، وأجل حياته وهو وقت حياته، ولذلك قالوا: من حضر أجله لا تأخير له. يعنون الوقت الذي يموت فيه. فإن قيل: فما تقولون فيمن قتل تعديا، فهل قطع القاتل أجله أم لا يقتله إلا في نهاية أجله؟ قلنا: قد ثبت أن الأجل هو الوقت، وإذا كان كذلك كان وقت قتله هو وقت موته. فإن قال: فتقولون أنه كان يموت لو لم يقتله قاتله ولا بد، قيل له: هذا السؤال على الحقيقة لا يصح أن يعلمه إلا الله PageBegV00P029a ويعلم من جهة الله وغاية الأمر أنا نقول تجوزا أنه كان يموت في هذا الوقت لو لم يقتله هذا القاتل ويجوز أن يكون خلاف ذلك. فإن قيل: فما تقولون في الجموع التي تهلك بالتعدي عليهم في الحال الواحدة؟ هل حضر أجل الكل دفعة؟ كان الجواب أن لا وجه يمنع من القول بصحة ذلك. ألا ترى إلى وقوع الوباء في بعض الأصقاع، فيموت الخلق الكثير في وقت واحد، فقد يجتمع جمع تحت بناء، فيهدم عليهم ويهلكهم دفعة، ويركبون سفينة، فيغرقوا دفعة. وهؤلاء، فماتوا بأجلهم، لأن الله عز وجل هو الذي قطع آجالهم. وأما أن يجوز كل ذلك ممكن، لا يدفعه العقل وإن يقع في حيز الاستبعاد، والاستبعاد ليس مانعا. ألا ترى إلى المقتولين ظلما وإن كثروا ومن يهدم عليهم البناء وركاب السفينة، إذا اعتقد فيهم وأن ما جمعهم الموت إلا لأن أجلهم انتهى، أي حضر بتناول هذا القول حتى يقع المنع منه. فإن قيل معترضا: فهذا PageBegV00P029b يفضي إلى أن يكون القاتل غير ظالم، قلنا: لا يخرجه ذلك من كونه قد آلم هذا المقتول بهذا القتل بما ليس له وجه حسن، لأنا لا نقول أنه أماته، وإنما الله أماته عند فعله، هو الضرب بالسيف أو الرمي في النار. فذلك الفعل الذي فعله الظالم هو الذي نعده ظلما ونعتده بفعله إياه ظالما.

ناپیژندل شوی مخ