أدخل عدد من الرموز النيلية في القرن الأول الميلادي على نظم الزخرفة لكل من المنازل والمعابد في إيطاليا، وقد ارتبط بعض منها بكليوباترا. عثر في مدينتي بومبي وهركولانيوم في جنوب إيطاليا على مثالين يعرضان صورا جانبية لوجه سيدة من العائلة الملكية تشبه الصور الموجودة على عملات كليوباترا (ووكر وهيجز 2001: 314-315، رقم 325). وربما يكون المثال الموجود في هركولانيوم أقربهما لشكل كليوباترا ويظهر عقدة الشعر وإكليلا عريضا، كما يعتبر القرط الواضح سمة لبعض الصور الموجودة على العملات. يعرض الوجه ملامح شابة؛ فبه أنف حاد ومستقيم وشفتان ممتلئتان وذقن محدد الزوايا. وكان العنق مزخرفا بحلقات «فينوس» المعتادة حول الرقبة الشائعة في صور ملكات البطالمة.
بالإضافة إلى هذا الشكل من التماثيل يوجد عدد من الرسوم ذات طابع هزلي أكبر، ربطها البعض بكليوباترا ومارك أنطونيو. تشكل هذه الرسومات جزءا من مجموعة النقوش البارزة الزخرفية أو الرسومات التي تظهر مشاهد نيلية تكون عادة، لكن ليس دوما، ذات طابع خليع. يقال إن مثل هذه الصور كانت أحد سبل ترويج الرومان لانتصارهم في معركة أكتيوم وحاولوا بها تشويه سمعة كليوباترا (ووكر 2003ج: 202). يوجد حاليا نقش بارز يبدو أنه يشير مباشرة إلى هذين الزوجين المهزومين في المتحف البريطاني وأدرج ضمن معرض كليوباترا ملكة مصر الذي أقيم عام 2001 (ووكر وهيجز 2001: 336، رقم 356؛ ووكر 2003ب: 191-192). يعرض هذا النموذج مشهدا نيليا في وسطه يظهر قزم يرتدي قبعة ساكني المستنقعات ويوجه قاربا به مظلة. وتحت هذه المظلة يوجد اثنان يمارسان علاقة جنسية، ويشير أسلوب تصفيف الشعر إلى أن السيدة، التي تمارس معها العملية من الخلف، هي كليوباترا وبالطبع شريكها هو مارك أنطونيو. تحدد تاريخ هذا النقش البارز بأنه يتراوح من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي. ويوجد اتفاق عام على أن الرسومات النيلية ونقوش الطين النضيج (التراكوتا) البارزة ذات الطابع الأعم يرجع تاريخها إلى عهد أباطرة أسرة جوليو-كلاوديان اللاحقين، مثل كاليجولا وكلوديوس ونيرو؛ لذا ترجع إلى الفترة من 37 إلى 68 ميلاديا تقريبا (ووكر 2003ج: 200-201). وكما أشرنا من قبل، كان هؤلاء الحكام من نسل مارك أنطونيو وأوكتافيا، ويقال إنه ربما زاد اهتمام الرومان بالرموز المصرية في هذا الوقت.
رغم أن كثيرا من هذه الصور قد تبدو للوهلة الأولى، للمشاهد في العصر الحديث، مهينة، لكن لا بد من رؤيتها داخل سياقها التاريخي، مع وضع السياق الثقافي في الاعتبار أيضا. على سبيل المثال، ورد ذكر أحد المصابيح منذ وقت طويل على أنه مثال للتصوير الكاريكاتوري للملكة (ووكر وهيجز 2001: 337، رقم 357). فقد زين السطح العلوي من المصباح بصورة لسيدة قزم تقف فوق تمساح يعبر عن مصر، وتمسك بيدها اليمنى أحد فروع النخل وتميل إلى الخلف على قضيب ذكري. تحدد أن هذه الصورة تعبر عن كليوباترا بناء على شكل تصفيف الشعر، الذي ربط إلى الخلف على النحو المعتاد. وقيل مؤخرا إن هذا المصباح ربما كان جزءا من عبادة إيزيس وأن القضيب الذكري كان إشارة مباشرة إلى قضيب الإله المصري أوزوريس (إتين 2003). وفقا لهذه الأسطورة جمعت إيزيس الأجزاء المبعثرة لجسم أخيها وزوجها أوزوريس ثم أخصبت نفسها باستخدام قضيبه الذكري. على الرغم من أن هذا المصباح روماني من حيث مرجعيته الثقافية، فإن الاعتناق الروماني لعبادة إيزيس لا بد أنه كان قائما على أساس معرفة أسطورة أوزوريس وبلا شك علاقة كليوباترا بهذه الإلهة. وعند النظر إلى هذا المصباح في ظل هذه المعلومات يصبح المشهد إشارة بها قدر أكبر من الاحترام لكليوباترا، بعد سنوات من وفاتها. (4) إيزيس
مع ذلك لم يقتصر الربط بين كليوباترا وإيزيس في العصر الروماني على الصور الكاريكاتورية على المصابيح وأساليب الزخرفة. ويصعب معرفة ما إذا كان معتنقو عبادة إيزيس على دراية بأن نوع الصور المستخدمة في تصوير هذه الإلهة في أثناء العصر الروماني كان في الأصل هو المستخدم في تماثيل ملكات البطالمة المؤلهات، كما أشرنا سابقا في الفصل السادس. لقد انتهى الحال بكثير من عناصر هذه الصور إلى التعبير عن صورة إيزيس في أثناء القرن الأول الميلادي في كل من مصر وروما. ويقال إن استخدام سمات مثل قرن الوفرة والنماء، والزي المعقود وخصلات الشعر المنفصلة، التي أصبحت مرادفة جميعها لصورة إيزيس في العالم الروماني، أخذت من مجموعة صور الملكة البطلمية (أشتون 2003ج: 34؛ 2004ج: 49). وإلى حد ضئيل يشير الاقتباس من التماثيل التي كانت تعبر في الأصل عن ملكات البطالمة من قبل معتنقي عبادات إيزيس إلى استمرار توقير كليوباترا السابعة على أنها إلهة؛ فهي في النهاية كانت تعتبر نفسها نسخة جديدة من هذه الملكة. ومع وضع هذا في الاعتبار تبدو الإشارات سابقة الذكر في شكل النقوش البارزة والرسومات والمصابيح والمزهريات، أكثر منطقية بكثير. ربما لم تكن كليوباترا محبوبة لدى الكتاب الرومان، لكنها ظلت موضوعا يكثر التفكير فيه والكلام عليه وتأليف الأساطير حوله ويستمر ذلك حتى يومنا هذا . (5) مصير أطفال كليوباترا
يبدو الفصل الأخير مكانا مناسبا لحديث فيه عن مصير أطفال كليوباترا الأربعة. يقول بلوتارخ («حياة أنطونيو» 81) إن بطليموس قيصر، الذي «من المفترض أنه ابن كليوباترا من يوليوس قيصر» أرسل إلى الهند عبر إثيوبيا، لكنه خدع حتى يعود بناء على وعد بأن أوكتافيان سينصبه ملكا على مصر. ربما كان عمره في ذلك الوقت بين 13 و15 عاما. ويقال إن أوكتافيان قال: «من السيئ أن يوجد عدد أكثر من اللازم من أبناء قيصر» محاكيا ما ورد في الإلياذة المجلد 2. 204. حكم بالطبع بالإعدام على بطليموس قيصر (الفصل 82). يقول سويتونيوس («أغسطس المؤله») إن الأطفال الثلاثة الباقين ظلوا على قيد الحياة.
في الواقع أحضر الأطفال الثلاثة المتبقون (التوأمان اللذان كانا في العاشرة من العمر وفيلاديلفوس الذي كان في السادسة من عمره) إلى روما وتربوا في منزل أرملة أنطونيو الرسمية؛ أوكتافيا. يقول سويتونيوس إن أوكتافيان عامل الأطفال كما لو كانوا جزءا من عائلته («أغسطس المؤله» 48). لا توجد معلومات أكثر عن الولدين؛ الإسكندر هيليوس وبطليموس فيلاديلفوس، لكن ظلت كليوباترا سيليني على قيد الحياة وتزوجت من جوبا، أحد الملوك التابعين الذي حكم موريطنية، التي أصبحت الجزائر في العصر الحديث (رولر 2003: 91-118).
تأثرت البرامج الفنية والثقافية لكليوباترا سيليني وجوبا إلى حد كبير بخلفياتهما الأصلية (رولر 2003: 119). كانت المدينتان الرئيسيتان في موريطنية هما وليلي وإيول (التي أصبحت فيما بعد قيسارية/شرشال)، وقد أقيمت العاصمة الجديدة في إيول.
توجد صورة من هذا الموقع صنعت على الطراز الكلاسيكي، تظهر على الأرجح كليوباترا السابعة (ووكر وهيجز 2001: 219، رقم 197). تعرض هذه الصورة نسخة قديمة من الرأسين اللذين تحدثنا عنهما في السابق والموجودين في الفاتيكان وبرلين، اللذين صنعا في روما، وعلى الأرجح صنعا أثناء حياة كليوباترا وربما تكون ابنتها أخذتهما كتذكار معها، فيظهر الشكل المعتاد لتجعيدات الشعر على شكل قوقعة الحلزون وملامح الوجه الصارمة، لكن ليس من المعروف إذا كانت هذه الملامح اقتصرت فقط على كليوباترا السابعة أم أن ابنتها قلدت تلك الملامح في تماثيلها الخاصة؛ ومن ثم قيل إن هذا الرأس ربما يكون لكليوباترا سيليني لا كليوباترا السابعة (فروخي 2003).
عثر على تماثيل مصرية أيضا في الموقع (رولر 2003: 142-144)، منها تمثال لبيتوباستيس الكاهن الأكبر في ممفيس، الذي توفي في 31 يوليو عام 30 قبل الميلاد عن عمر يناهز 16 عاما (رولر 2003: شكل 17)؛ بعد يوم من استيلاء أوكتافيان على الإسكندرية. وربما أخذت كليوباترا سيليني التمثال معها ليذكرها بذلك الوقت الصعب وربما بحقيقة بقائها على قيد الحياة رغم وفاة والديها، أو ربما كان هذا الكاهن الشاب لممفيس صديقا لها أو شخصا تعرفه عندما كانت فتاة صغيرة؛ فقد كانت في العاشرة من عمرها في ذلك الوقت.
عثر على منحوتات مصرية أخرى ترجع إلى فترات أقدم في التاريخ المصري (رولر 2003: 142-144)، ومنها تمثال لحاكم الأسرة الثامنة عشرة تحتمس الأول، ورأس أفعى، ورأس آمون. أضفي الطابع المصري على أشياء أخرى من الموقع ويرجع تاريخها إلى العصر الروماني، وتوضح وجود علاقة قوية بين مصر وآخر أفراد أسرة البطالمة المالكة، بطليموس ابن كليوباترا سيليني وجوبا.
ناپیژندل شوی مخ