يوجد نموذج آخر واضح ربما اقتدت به كليوباترا السابعة عند بناء ضريحها ألا وهو المقصورة الجنائزية سالفة الذكر لشبنويبت الأولى، زوجة الإله الملكية في الأسرة الخامسة والعشرين، ولأمنريدس، على الضفة الغربية أيضا في طيبة، داخل المعبد الجنائزي الأقدم لرمسيس الثالث في مدينة هابو (الشكلان
4-1
و
4-2 ). تظهر المشاهد الموجودة في المقصورة عبادة المتوفاة المؤلهة من خليفتها. حصلت هاتان السيدتان تماما مثل كليوباترا على مكانة مقدسة بسبب منصبهما، وتمتعتا بمزيد من السلطة نتيجة لمكانتهما المقدسة بوصفهما زوجتي الإله آمون (ماركوي وكابيل 2006: 115-116). (5) ضريح كليوباترا
يفترض المتخصصون في الدراسات الكلاسيكية أن تصميم ضريح كليوباترا كان إغريقيا؛ إذ تصور معظم «عمليات إعادة البناء» مبنى لا يختلف كثيرا عن قبور القرن الرابع مثل قبر الحاكم موسولوس في مدينة هاليكارناسوس، الذي يحتوي على غرفة تحت سطح الأرض ودور أول مرتفع عن سطح الأرض. أعاد فرومر (جريم 2003: 48-49) تصميم مخطط افتراضي لقبر كليوباترا على طراز إغريقي بالكامل. يتكون البناء المقترح من طابق أرضي وطابق أول، مع وجود أعمدة زخرفية في بوابة المبنى وباب في الطابق الأرضي. يحتوي الطابق الأول على نوافذ ويوجد بالداخل سلم واحد على الأقل يصل إلى هذا الطابق ورواق يسمح بدخول الضوء إلى داخل جميع أرجاء المبنى. شكك وايتهورن أيضا في صحة ولاء كليوباترا للثقافة المصرية، مشيرا إلى أنها كانت إغريقية مقدونية وظهرت على هذا النحو على العملات (1994: 193). لكن الأبحاث الأخيرة أظهرت أن كليوباترا كانت مصرية أكثر بمراحل من كونها إغريقية، ويجب ألا ننسى أن ضريحها كان في كثير من النواحي نصبا تذكاريا يعبر عن مشاعر شخصية عارمة، على عكس العملات التي صدرت في ظل وضع أهداف دولية وسياسية في الاعتبار.
لا يوجد دليل يدعم فرضية أن قبر كليوباترا كان بالكامل على الطراز الإغريقي؛ فعلى الأقل قد يفترض المرء وجود بعض الرموز المصرية، مثلما يوجد في بعض القبور الأقدم عهدا في الإسكندرية، كما أشرنا سابقا. يدعي بلوتارخ وديو أن المبنى كان مكونا من طابقين. وكما رأينا استخدم الكتاب القدماء رمزية الطابق الأول من أجل إظهار ضعف مارك أنطونيو (الذي رفع جسمه الضعيف المصاب إليه)، وضعف كليوباترا التي احتجزت فعليا مع ما بقي من ثرواتها. يفترض الباحثون بناء على هذا أن القبر كان على الطراز الإغريقي. بني بعض المعابد المصرية الجنائزية، مثل معبد حتشبسوت المذكور آنفا في الدير البحري، على عدة طوابق، وتحتوي معابد البطالمة على سلم بداخلها يصل إلى الطابق الأول. وعلى الأرجح يعتبر معبد حتحور في دندرة أكثر مثال مناسب على هذا من حيث تاريخه وارتباطه بكليوباترا السابعة. يعتمد كثير من الأمور على حجم القبر وقاعة الصلاة به وعلى ما إذا كان البناء، الذي يقال إن كليوباترا احتمت بداخله، كان فعليا القبر الذي اعتزمت أن تدفن فيه أم أنه كان بناء ملحقا به، ربما حتى خزانة مال. (6) موقع قبر كليوباترا السابعة
لم يعثر على قبر كليوباترا، أو على الأقل لم يتعرف عليه علماء الآثار؛ ونتيجة لهذا، نعتمد حتى في هذا الكتاب، كما ذكرنا سابقا، على المصادر الأدبية في وصف البناء، الذي لعب دورا محوريا في أيام الملكة الأخيرة، هذا إن كانت تلك المصادر دقيقة. لا يتعرض إلا عدد قليل من الكتاب في عصرنا الحالي لنماذج هذا البناء ولطريقة الدفن الصحيحة المناسبة لحاكم مصر. سنعتمد مرة أخرى على المصادر الأدبية لمعرفة موقع هذا القبر، فيقول بلوتارخ («حياة أنطونيو» 74) إن قبر كليوباترا كان بالقرب من ضريح/معبد الإلهة إيزيس. ويخبرنا بأن هذه المنطقة كانت مليئة بالمباني المرتفعة رائعة الجمال. ومع ذلك لم يذكر أي من المؤلفين القدماء في أي جزء من المدينة كانت توجد هذه المنطقة. وربما تساعد الأعمال الميدانية الحديثة في الإسكندرية في تحديد المكان الذي كان يوجد فيه معبد إيزيس الذي أنشأته كليوباترا، وربما يؤدي هذا بدوره إلى تحديد المنطقة التي كان الضريح فيها. يعتقد أن قبر كليوباترا كان منفصلا عن قبر الإسكندر والبطالمة. ويعتقد أيضا أنه لم يكن قد اكتمل في وقت ظهور الروايات الأدبية عن انتحارها، التي وردت عن بلوتارخ وديو. ومرة أخرى نعتمد على المصادر الأدبية الرومانية في الحصول على هذه المعلومات، لكنه كان تقليدا معتادا في السياق الثقافي المصري والروماني أن يبني الحاكم قبره في أثناء حياته.
في عام 2003 قيل إن ضريح كليوباترا السابعة ربما يكون ملحقا بمعبد إيزيس في الجهة الشرقية من مدينة الإسكندرية، المعروفة حاليا باسم سموحة، وعلى الحدود القديمة بين الحضرة ومدينة إلفسينا السكندرية (أشتون 2003أ: 120-122). يمكن تجميع الشكل الخارجي للمعبد سالف الذكر من وصف الموقع الذي ورد عن المسافرين في القرن الثامن عشر ومن الاكتشافات التي يمكن ربطها بهذا الموقع. تضم هذه الاكتشافات التمثال الضخم المزدوج (المذكور في الفصل السادس)، وأعمدة، وتماثيل لأبي الهول، ومعبدا مستديرا، وفيلا من الجرانيت (أشتون تحت الطبع 2007د). يوجد نظير لهذا الفيل في عصر الرومان ويشير إلى أن الموقع ظل مشغولا في أثناء الاحتلال الروماني. ومع ذلك، حتى حدوث المزيد من الاستكشاف للموقع، الذي يوجد حاليا تحت عدد من المدارس وموقف أوتوبيسات ومركز شرطة وأرض خاصة (أشتون 2005د)، فإن افتراض أن الضريح كان يوجد في الموقع؛ في الجزء الشرقي من المدينة، يجب أن يظل مجرد تخمين. إن شكل معبد إيزيس ينطبق عليه ما ذكره بلوتارخ («حياة أنطونيو» 74) عند حديثه عن القبر.
قرأ المسافرون على طائرات مصر للطيران في شهري يناير وفبراير عام 2006 عن قبر آخر مقترح لكليوباترا في أبي صير، التي تقع بالقرب من الإسكندرية على بحيرة مريوط. وقد بدأ العمل في هذا الموقع بعد اقتراح من عالمة آثار كلاسيكية من جامعة جمهورية الدومينيكان (كيه مارتينيز) بأن قبر كليوباترا قد يكون في هذه المنطقة. وفقا لما ورد في المقال، ستجري أعمال التنقيب تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار المصري (حواس 2006: 22). وهكذا يستمر البحث عن كليوباترا.
الفصل التاسع
ناپیژندل شوی مخ