ولما بلغ ظلها أفلت الخادمين ثم ارتمى عليها يقبلها رياء ومصانعة، ثم تمسك بها يستند إليها، ثم انحط إلى يمينها، وما كادت تناوله قدح اللبن يرتضعه، حتى غمره الألم وهاج داؤه، ففتح فاه وصدحت الموسيقى بنغم مختلف من آهات وأنات، ومع هذا النغم سعال كقرع الطبل.
ورأت «لويز» ذلك فرقصت أحشاؤها! فلم تملك المسكينة أن اقتلعت جسمها من الكرسي، وانكفأت هاربة إلى حجرتها، وانطرحت في غمرة أخرى من الألم، وبقيت هناك ملقاة يدار بها، وكانت لم تغتمض في ليلها، فاصطلح على جسمها هم الليل والنهار!
فصل خامس في السنة
وزالت هذه الغشية عن الكونت بعد أيام، كانت العروس فيها من روح الأمل كالمختلعة
29
إذا أخذت كتاب طلاقها، أو الأمة إذا وعدت بعتاقها، وكان دعاؤها لله كلمات لا تعدوهن، تقول: اللهم رحماك! فأنت المصيب وأنا المصابة، تلك قوتك وهذا ضعفي!
وكانت إذا حمدت الله تواردت مع زوجها فيما يحمد الله به من حيث لا يشعر أحدهما أو كلاهما، كأن للحب الشديد والبغض الشديد لغة واحدة؛ فكان هو يقول: الحمد لله إذ لا تراني! وتقول هي: الحمد لله إذ لا يراني!
وباغتها الرجل منصبا عليها، فلو أن ميتا طالعها من قبره ما كان أروع لها عنه؛ قلب حيواني يسكن من أضلاعه الخربة في شقوق، وظهر كالقوس يحمل من روحه سهما ليس له إلا المروق، وعروق ناشرة كأنها في جلده المتغضن خيوط في خروق ... ودخل عليها كما يدخل الشتاء بكلوحه وبرده، على الروض النضر والبقية الضعيفة من ورده، ونظرت إليه فلم يقع من نفسها إلا موقع الهموم على الهموم، ولم يكن في عينها إلا كما يكون الحلم في رأس المحموم!
وجلس إليها الشيخ يتطفل ويقترح، وكانت لويز تعرف أن السنة أربعة فصول، أما سنتها هذه فكانت فصولها بعد اقتراح هذا البغيض خمسة: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء، وشهر عسل الكونت! فقد لج الرجل في عناده وأبى إلا أن يكون له ولها «شهر عسل»، ومما زاده لجاجا وعتوا أنه كان يخشى أن ينسلخ الشهر، فقد ذهب نصفه في تجرع «الدواء»، ولم يبق «للعسل» إلا ريثما يمحق القمر أياما معدودات!
ثم انصرف من لدنها على أن ترصد للسفر أهبته، وأن ينطلقا على جناح غراب.
ناپیژندل شوی مخ