أيها المغرور! خذ الحياة حقيقة لا وهما، وعملا لا علما، واسمع للحياة إن كنت تعرف لغتها، أو اسمع للموت الذي يعرف كل إنسان لغته؛ فإن كل ذلك يعلمك أن الرجل الحر لا يعرف على أي حالة يعيش إلا إذا قرر لنفسه على أي حالة يموت، وأن الحياة ليست في الوجه الذي توجد عليه من الغنى إلى الفقر، ولكن في الوجه الذي تنتهي عليه من العمل الصالح إلى العمل السيئ، وليست في ترفيه الحواس الغليظة ولكن في النفس والضمير: الضمير النقي، لثواب الدنيا وجمال الحياة ولذة الخير؛ والنفس الطاهرة، لثواب الآخرة ونضرة الخلود ورحمة الله.
قال «الشيخ علي»: فلا تسأل يا بني ما هي الحياة؟ ولكن سل هؤلاء الأحياء: أيكم الحي؟
هوامش
الفصل السابع
سحق اللؤلؤة
قال «الشيخ علي»: وإني محدثك الآن حديثا يشفي نفسك من الخبر، ويفتح عليك أبوابا من العبرة والموعظة، ويحضرك طرفا من الدنيا بأقداره وعلله ومذاهب حكمة الله فيه كأنما أنت شاهد أمره؛ فلتعلمن أن في المال مشغلة عما سوى المال، وأن الحرص عليه حق الحرص لا يداخل أمرا من أمور الحياة فيعترض بين ورده وصدره إلا ساء أحدهما أو كلاهما،
1
وفسد الأمر، فعسى أن يتصل بما هو أجل منه خطرا وأسنى منزلة، فلا يكون ذلك الحرص إلا مضيعة، ولا تكون الرغبة فيما يستخلف إلا سببا في ذهاب ما لا يستخلف.
ولتعلمن أن المال شيء غير الحياة، وأن الحياة شيء غير المال، وأن ما يختدع الإنسان فيتلون له من سراب هذه السعادة إنما يكون أكثر ما هو كائن من بريق المال يحسبه شيئا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، وعسى أن لا يكون فيما أقبل من نعيم الدنيا إلا ما يدبر بصاحبها، وأن لا تصيب فيما زوي عنك من حظها إلا ما يقبل بحظ نفسك على نفسك.
ثم لتعلمن أنه إن كانت للقدر فترة عن رجل من الناس فقيرا أو غنيا أو بين ذلك، فما هي غفلة ولا معجزة، ولعل الرجل إنما يمد له في الغي مدا طويلا، حتى إذا جاء يومه انفجر عليه بما لا يطيق له سدا ولا يستطيع له ردا؛ وأنه رب كلمة تعارف الناس معناها وأجروها على مذهبها في كلامهم، فإذا هي نزلت بعض منازلها من الحياة كان لها معنى آخر لا تفسره إلا الحياة نفسها، ثم لا تفسره إلا على ضد مأخذهم ومقصدهم؛ فيقول الناس: «فلان الأمير.» ومعنى ذلك فيما نراه من حوادث الحياة وأقدارها فلان النذل، ويقولون: «هذا الغني.» ومذهب الحياة أنه الشقي بغناه، وفلان أعزه الله وإنما هي أخزاه الله بعزه، ويحسدون فلانا إذ يرون أن الله - عز وجل - قد مكن له وآتاه من بسطة المال والجاه، فهو يستعد للحياة بأفضل عدتها، ثم تقع الواقعة ويتغشى فلانا هذا ما شاء الله من الحوادث والأقدار، فإذا هو إنما كان يستعد للموت بأقبح عدته!
ناپیژندل شوی مخ