معا إلا أن يورثنه الذل وسقوط الهمة وتخلخل الفؤاد واضطراب النفس، حتى كأنه من هذه الوساوس بين جدران وثيقة محكمة لا نافذة منها على فضاء الغيب، والغيب ملء الأبد، فيصبح جلدا بلا جلادة، وعظما أوهنت منه البلادة، ورجلا لو أطاعته كل قوة في الدنيا لما أطاعته الإرادة، وصنما من أصنام الحياة يعرفه العاقل للتحطيم ويحسبه الجاهل للعبادة!
هوامش
الفصل السادس
وهم الحياة والسعادة
قال «الشيخ علي»: ولقد عرفنا الحياة ما هي لأننا نحن أمثلة عليها ، ولكن البحث في معنى هذه الحياة لم ينته بعد؛ لأن هذا المعنى لا يزال كما كان فوق السموات، ولو استطاع الكاتبون من أهل العلم أن يخطوا في كتبهم بمداد من أضواء النجوم التي يسكبها الخلود كل ليلة على الأرض ملء محبرة الليل، لكان عسى أن تستنير مباحثهم في ظلمات الحياة، وأنى لهم ذلك وليس وراء النفس الإنسانية إلا الذي هو وراء السماء، ولا وراء السماء إلا الذي هو وراء النفس؟
ألا فاعلم يا بني أنه ما دام هؤلاء العلماء يتعاقبون على تفسير المعاني الإلهية ولم ينتهوا بعد، فمعنى ذلك عندنا نحن الجهلاء أنهم لم يبدءوا بعد.
وما هي الحياة؟ أما إنها ليست طريقا مسافته كذا، ولا قياسا ذرعه كذا، ولا وزنا مبلغه كذا، ولا شيئا من هذه المعاني التي تضرب الأقلام والألسنة في مفاصلها، بل هي فيما وراء ذلك من عال إلى بعيد إلى غامض إلى مبهم، حتى تنتهي إلى منبع النور الذي تلتطم على ساحله موجة الأبد.
وإن أبيت إلا ما هو دون ذلك وضوحا وانكشافا وبسطا في التأويل، فقل إنها في كلمة واحدة: فتح السماء بفكرة واحدة.
1
ولتدعني يا بني من لغة هذه الكتب، فإنها متى انتهت إلى السماء رأيتها أكثر ما تراها ألفاظا لا معنى لها؛ إذ ليس هناك من جلال الله إلا ما يشبه أن يكون معنى لا ألفاظ له.
ناپیژندل شوی مخ