كان فهيم أيام كانت زوجته في بيته ينتهي من عمله ثم يذهب من فوره إلى البيت مقدرا أنها وحيدة ظانا أنه يؤنس هذه الوحدة التي تعانيها.
فحين تركت تحية البيت ظل أياما يعود إلى البيت فيجد نفسه منفردا فيه؛ فابنه فرغلي لا يعود إلا في الساعات الأولى من الليل ليذاكر ثم لينام. وحتى إذا وجد فرغلي فليس هناك من حديث بينه وبين فرغلي. إن فرغلي بالنسبة إليه كتلة صماء لا ترسل ولا تستقبل وهو لا يدري من أمره شيئا أو يكاد.
ولكن الوحدة جعلته يبحث عن فرغلي في أيام الإجازات. وعرف أنه بالقرية، وتبين لأول مرة أن فرغلي لم يذهب إلى القرية إلا بعد أن تركت أمه البيت، ودهش لهذه الحقيقة، وأعمل فيها فكره، ولم يستطع أن يتصور أن زملاء فرغلي ولداته كانوا يرفضون صحبته وأمه ست في بيتها وقبلوا هذه الصحبة وأمه راقصة في الموالد، ولكنه على كل حال وجد مهربا من وحدته. لماذا لا يذهب هو أيضا إلى القرية، ويجلس على مصطبة الحاج هنداوي، فقد طالما جلس إليها؟
واستقبله الرجال استقبالا طيبا فهو وإن كان قد انقطع عن مجالستهم إلا أنهم هم لم ينقطعوا عنه، فجميعهم كان يأتي إلى المحطة لشأن أو لآخر.
وفي الرجال غلظة قد لا تكون عند الصغار أو إن شئت الدقة في التعبير؛ فإن القسوة عند الرجال تختلف عن القسوة عند الصغار، فما كان الرجال مثلا ليصنعوا ما صنعه الأطفال بفرغلي حين عرفوا أن أمه كانت راقصة، ولكن الصغار أيضا لم يصنعوا مع فرغلي ما صنعه الرجال بفهيم. - فرحنا لك والله يا فهيم. - وفيم الفرح يا حاج هنداوي. - لقد أسأت الاختيار من أول الأمر. - قسمة.
وقال آخر: ولكنك تبدو حزينا. - العشرة لا تهون إلا على ابن الحرام.
وقال آخر: والله ما ابن حرام إلا هي؛ التي جعلت منها ستا وأما لابنك ثم تركتك.
وقال آخر: في ستين داهية.
وقال فهيم: أنا الغلطان؛ تزوجتها وأنا لا أعرف عن أصلها شيئا.
وقال آخر: وهل لمن ترقص في الموالد أصل، لا بد أن أمها كانت مثلها.
ناپیژندل شوی مخ