عادة ما يدعى أن المحاكم توافق على حكم الصحافة فيما يخص الأخبار التي تستحق النشر، وتؤكد إحدى الكاتبات أن «احترام حكم الصحافة قد يكون - في الواقع - الاستجابة المناسبة والصحيحة للاستقصاء بشأن نشر المعلومات ذات الأهمية الإخبارية»، ولكن هذا الرأي يتجاهل السبب وراء كون هذه المسألة موضوع نزاع، وتشير هذه الكاتبة إلى أن «استمرار الناشرين وملاك محطات البث اقتصاديا تعتمد على قدرتهم على تقديم منتج يشتريه الناس»، وتجادل بأن منافسة السوق في مجال الصحافة هي التي تولد في الصحف «تجاوبا مع القطاعات الأساسية التي يرغب العامة في معرفتها من أجل مسايرة المجتمع الذي تعيش فيه».
إن مبدأ المصلحة العامة ما هو إلا قناع تختفي وراءه الدوافع التجارية لوسائل الإعلام بسهولة شديدة، والأسوأ من ذلك أن هذه الدوافع التجارية تتخفى في صورة الممارسة الديمقراطية لحرية المستهلك في الاختيار؛ حيث نحصل على الإثارة التي نستحقها، كل من شكلي الصحافة الصفراء يتجاهل آثار نشر مثل هذه الأخبار المثيرة على أشخاص تصادف أنهم شخصيات عامة؛ وذلك لأن هذه الشخصيات سيئة الحظ بما يكفي لتكون محطا للأنظار.
الاختبار قياسا على الأعراف
لتحديد الأمور التي تعتبر «مسيئة إلى حد بالغ»، وضعت المحكمة ما يطلق عليه «الاختبار قياسا على الأعراف»؛ لذا في قضية «ميلفن ضد ريد»، كان ماضي المدعية كعاهرة ومشتبه بها في قضية قتل مثيرة قد عرض في فيلم يحمل اسم «الرداء الأحمر» الذي كان مبنيا على هذه الأحداث، وفي خلال الثمانية أعوام التي أعقبت تبرئتها، كانت المدعية قد قبلت كفرد من «أفراد المجتمع المحترمين»، وتزوجت، وتعارفت على مجموعة من الأصدقاء الذين كانوا يجهلون ماضيها، وأيدت محكمة كاليفورنيا (التي لم تكن قد أيدت حتى ذلك الحين أي دعوى لاختراق الخصوصية) الدعوى التي تقدمت بها لاختراق المدعى عليه لخصوصيتها بالكشف عن معلومات خاصة بها.
وفي قضية «سايديس ضد مؤسسة إف آر للنشر»، من ناحية أخرى، تحول المدعي الذي كان في السابق طفلا معجزة؛ حيث إنه في الحادية عشرة من عمره، كان يلقي محاضرات في مادة الرياضيات في جامعة هارفارد، إلى شخص منعزل كرس وقته لدراسة هنود قبيلة أوكاماكاميسيت وجمع تذاكر محطات الترام، وقد نشرت مجلة نيويوركر مقالا بعنوان «أين هم الآن؟ كذبة أبريل» بقلم جيمس ثيريبر، تحت اسم مستعار، وكشفت الصحيفة في المقال عن صفات المدعي الجسمانية وسلوكياته، والغرفة المنفردة التي يعيش بها وأنشطته الحالية، وقد اعترفت المجلة بأن سايديس أخبر صحفي المجلة الذي تعقبه ليجري معه المقابلة أنه عاش في خوف من الشهرة وكان يغير وظيفته كلما علم صاحب العمل أو زميل له بماضيه، وقد رفضت محكمة نيويورك الجزئية دعوى اختراق الخصوصية التي تقدم بها سايديس على أساس أنها لم تتمكن من إيجاد قرار «يؤيد اختراق حق الخصوصية من صحيفة أو مجلة تنشر تقريرا صحيحا عن حياة أو أفعال شخص ... إلا في بعض الظروف الخاصة التي لم تتوافر في القضية محل النظر»، وفي الاستئناف أيدت الدائرة الثانية رفض دعوى الخصوصية، ولكن بدا أنها بنت قرارها على الموازنة بين إساءة المقال وكون المدعي شخصية مشهورة أو مغمورة.
مع ذلك لم يكن هناك في قضية ميلفن أو سايديس محاولة مناسبة لتقييم مدى «خصوصية» المعلومات التي أفشيت لأصحابها، إن مصطلحات «تقاليد المجتمع»، و«الأهمية الإخبارية»، و«الإساءة» التي تتضمنها المادة المنشورة، تجعل هذه الأحكام - والكثير غيرها - المتعلقة بقضايا «الكشف عن معلومات شخصية» غير مفيدة في مجال ذي أهمية دستورية كبيرة، ونفس الشيء ينطبق تماما على جهود المحكمة العليا لضبط الحدود الخاصة بالتعديل الأول فيما يتعلق بالمواد المنشورة التي تؤثر على خصوصية المدعي، على سبيل المثال، في قضية «مؤسسة التايم ضد هيل»، حكمت المحكمة بأن دعوى اختراق الخصوصية المرفوعة من المدعي قد سقطت؛ نظرا لأن المدعي (وعائلته) كانوا موضوعا لتقرير صحفي مضلل من الأساس، وقد نشر المدعى عليه وصفا لمسرحية جديدة مأخوذة عن رواية تحكي عن المحنة التي عاناها المدعي وأسرته حين احتجزتهم مجموعة من المساجين الهاربين داخل منزلهم كرهائن.
وبتبني الاختبار الذي طبقته في حالات التشهير، قررت المحكمة العليا بالأغلبية أنه ما لم يكن هناك دليل على وجود سوء نية حقيقي (بمعنى أن المدعى عليه قد نشر تقريرا كاذبا عن عمد)، فإن الدعوى ستسقط، فالكذب وحده لم يكن كافيا لتجريد المدعى عليه من الحماية المكفولة له بموجب التعديل الأول، إذا كان الخبر مهما، ونظرا لأن «افتتاح مسرحية جديدة تتصل بحادث وقع بالفعل هي مسألة تهم المصلحة العامة»، فإن الدعوى المرفوعة من المدعي قد سقطت لأنه لم يستطع إثبات وجود سوء نية، ومع ذلك يبدو أن الحكم لم يهتم حقا بالجانب الخاص بالإفصاح العام عن معلومات شخصية؛ سواء أكانت الدعوى دعوى تشهير حقيقية أم لا!
المستقبل
لا توجد حماية سحرية مطلقة، وإذا جرى تفعيل قانون شامل خاص بالخصوصية غدا، فسوف يخلق هذا مشكلات جديدة فيما يتعلق بالتفسير القضائي لحقوق ضحايا انتهاك خصوصية الحياة الشخصية على نحو غير مرحب به، وما كانت هذه المصاعب لتتلاشى إذا ما اتبعت المحاكم نهج القانون العام نحو تحقيق حماية الخصوصية بحيث تحدد القانون المناسب لكل قضية على حدة، فحينئذ سوف يستمر فحص وسائل الإعلام يوميا - ربما بعقول أكثر تركيزا - لتحديد هل الأخبار تهم «المصلحة العامة».
إن المساعي نحو تحقيق توازن عادل لن تتوقف أبدا، والقضية المهمة هي - كما يبدو الأمر في الغالب - هل سيضحى بمصالح الفرد على مذبح مصلحة عامة مبتدعة؟ إن الأشخاص المعارضين للضوابط القانونية، وحتى غير القانونية، المفروضة على الكشف غير المرغوب عن معلومات خاصة للعامة يميلون إلى تصوير الاهتمام بأمر الضحية كأمر غريب ومتشدد، وهذا الأمر يختلف عن سعي وسائل الإعلام الحثيث نحو إظهار الحقائق، في العديد من الحالات، بالطبع يكون الدافع المحرك للصحف، ككل المؤسسات التجارية، هو مصالح حاملي الأسهم، الذين لا يهتمون بما ينشر في الصحيفة بقدر اهتمامهم بما يبدو في كشف الميزانية، وكذلك نظرا لأن الصحافة تقر كثيرا بأنها ينبغي أن تقاوم الإفصاح عن حقائق خاصة على نحو لا يراعي مشاعر أصحابها، فإنها ليست في موضع يسمح لها بوصف هذه المخاوف بأنها زائفة أو مولعة بالنقد.
ناپیژندل شوی مخ