جادل الكاتبان بأن القانون العام قد تطور من حماية الكيان البدني للشخص والممتلكات المادية الخاصة به إلى حماية أفكاره، ومشاعره، وأحاسيسه، ولكن نتيجة لتهديدات الخصوصية من الاختراعات الحديثة وطرق العمل ومن الصحافة، فإن القانون العام يحتاج إلى أن يحقق المزيد من الحماية، لقد كان حق الفرد في تحديد إلى أي مدى يسمح بإيصال أفكاره، ومشاعره، وأحاسيسه إلى الآخرين؛ محميا من الناحية القانونية بالفعل، ولكن فقط فيما يتعلق بمؤلفي الأعمال الأدبية والفنية والرسائل، الذين بإمكانهم منع النشر غير المرخص به لتلك المواد، وعلى الرغم من أن القضايا الإنجليزية التي أقرت بذلك الحق كانت مبنية على حماية الملكية، فإن تلك القضايا في الواقع كانت اعترافا بخصوصية ذات «طبيعة غير منتهكة».
ولم يمض وقت طويل حتى خضع أسلوب تفكيرهما للاختبار، ففي عام 1902 اشتكت مدعية في قضية من أن صورتها قد استخدمت بدون موافقتها من أجل الدعاية لسلعة ينتجها المدعى عليه، كانت صورة المدعية قد رسمت على أكياس الدقيق وكتب أسفلها عبارة دعاية كئيبة تقول: «دقيق العائلة.» كان أغلبية قضاة محكمة استئناف نيويورك يرفضون أطروحة وارين وبرانديز، معتقدين أن فكرة الخصوصية «ليس لها حتى الآن مكان ثابت في فكرنا التشريعي ... ولا يمكن دمجها الآن دون إحداث اهتزاز عنيف في المبادئ القانونية المستقرة ...» ومع ذلك فإن الأقلية، التي مثلها القاضي جراي جيه، قد تحمست للفكرة، وقد صرح جراي جيه بأن المدعية لديها حق يجب حمايته ضد استغلال صورتها لمصلحة المدعى عليه التجارية: «أي مبدأ آخر يبنى عليه قرار المحكمة ... هو أمر بغيض للعدالة مثلما أنه صادم للمنطق».
خطيئة ترويج الشائعات
لم تعد النميمة تسلية الكسالى والحاقدين، وإنما صارت تجارة، تمارس بمثابرة ووقاحة، فمن أجل إشباع الذوق الشهواني، تنشر تفاصيل العلاقات الجنسية وتبث في أعمدة الصحف اليومية، ومن أجل شغل الكسالى، تملأ أعمدة فوق أخرى بالشائعات التافهة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالتطفل على المحيط العائلي ... ولا يقتصر الضرر الذي تحدثه تلك التعديات على معاناة هؤلاء الذين ربما يكونون ضحايا لانتهاكات صحفية أو إعلامية، وفي تجارة النميمة، وكما هو الحال مع بقية أفرع التجارة، فإن العرض يوجد الطلب، وكل محصول يحصد من النميمة غير اللائقة يصبح بذورا لمزيد من الشائعات، وينتج عنه - وفقا لتناسب مباشر مع تداوله - انخفاض في المعايير الاجتماعية والأخلاقيات، وحتى الشائعات التي تبدو غير مضرة ظاهريا، فإنه عندما تتداول بإصرار وعلى صعيد واسع، تصبح نواة للشر، وهذه الشائعات تحقر من شأن الناس وتحرف الحقائق، فهي تحقر من خلال عكس الأهمية النسبية للأشياء، ومن ثم تقزم أفكار الناس وطموحهم، وعندما يصبح للنميمة الشخصية موقع مميز في الصحف، وتزاحم المساحة المتاحة للأمور التي تمثل أهمية حقيقية للمجتمع، فلا عجب أن الجهلة وعديمي الفكر يخطئون في تحديد أهميتها النسبية، ومن اليسير أن نفهم أنه لكون الشائعات مغرية لذلك الجانب الضعيف في الطبيعة البشرية الذي لا يحزن كلية للمصائب والانكسارات التي يتعرض لها جيراننا، فلا أحد يمكن أن يندهش من أنها تغتصب موضع الاهتمام في عقول قادرة على القيام بأشياء أخرى، فالتفاهة تدمر فوريا قوة الأفكار ورقة الشعور، ولا يمكن لحماس أن يزدهر، أو لدافع إيثار أن ينجو تحت تأثيرها المفسد.
صامويل دي وارين ولويس دي برانديز،
من مقال «الحق في الخصوصية» (1890)، هارفارد لو ريفيو، 196
أثار قرار المحكمة حالة من السخط العام، وقد قاد هذا السخط إلى سن ولاية نيويورك قانونا يجعل الاستخدام غير المصرح به لاسم أو صورة أحد الأفراد لأغراض دعائية أو تجارية أمرا غير قانوني، ولكن بعد ثلاث سنوات، وفي قضية تتضمن حقائق مشابهة، تبنت المحكمة العليا لولاية جورجيا حجة القاضي جراي جيه، لقد انتصرت أطروحة وارين وبرانديز، بعد 15 عاما من نشرها، ومنذ ذلك الحين، أدرجت معظم الولايات الأمريكية «حق الخصوصية» في قانونها، ومع ذلك على الرغم من الاعتماد الشديد للكاتبين على الأحكام التي أصدرتها المحاكم الإنجليزية، فلم يحدث تطور ملموس في إنجلترا أو في البلدان الأخرى التي تحكم بالقانون.
وعبر السنين حافظ القانون الأمريكي العام على توسعه المطرد في حماية الخصوصية، ففي عام 1960 قدم دين بروسر - وهو خبير مرموق في الأضرار القانونية - شرحا مبسطا لفكرة أن القانون لم يميز ضررا واحدا فحسب، «وإنما مركب من أربعة اهتمامات مختلفة ... مرتبطة معا باسم مشترك، ولكن فيما عدا ذلك لا يوجد شيء مشترك بينها»، وقد فسر طبيعتها على النحو الآتي:
الضرر الأول يتمثل في التطفل على عزلة أو انعزال المدعي أو على علاقاته الخاصة، والفعل الخاطئ هو التدخل المتعمد في عزلة أو انعزال المدعي، وهذا الأمر يتضمن التطفل البدني على ملكية المدعي واستراق السمع (الذي يتضمن المراقبة الإلكترونية والتصويرية، وزرع أجهزة التنصت، ومراقبة الهاتف)، ولكي يتحقق ذلك لا بد من استيفاء ثلاثة متطلبات: (أ) لا بد من حدوث تطفل فعلي، (ب) لا بد أن يزعج التطفل إنسانا عاقلا، (ج) لا بد أن يكون التطفل قد جرى على شيء خاص.
الضرر الثاني هو الكشف العلني لحقائق خاصة محرجة تخص المدعي، وقد بين بروسر ثلاثة عناصر لهذا الضرر: (أ) لا بد من حدوث إشهار عام (كشف الحقائق لمجموعة صغيرة من الناس لن يكون كافيا)، (ب) الحقائق المكشوفة لا بد أن تكون حقائق خاصة (إشهار المسائل الموجودة بالسجلات العامة لا يعد إضرارا بالغير)، (ج) الحقائق المكشوفة لا بد أن تكون مسيئة لشخص عاقل غير مفرط الحساسية.
ناپیژندل شوی مخ