خرافه: مقدمه قصیره جدا
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
جورج سوريل
يمكن العثور على وجهة النظر القائلة بأن الأسطورة نفسها تعتبر أيديولوجية في الكتاب الكلاسيكي «خواطر حول العنف» للنقابي الفرنسي جورج سوريل (1847-1922). في رأي سوريل، تعتبر الأسطورة أبدية، وليست فقط بدائية، وفي طرح مضاد لطرح مالينوفسكي، لا تعمل الأسطورة على دعم المجتمع بل تؤدي إلى قلب موازينه. ويؤكد سوريل على أن الطريقة الوحيدة لإقامة النموذج الاشتراكي المثالي هي الثورة، التي تتطلب العنف والأسطورة معا. لا يقصد سوريل «بالعنف» إراقة الدماء فقط بل القوة. ويتمثل الفعل «العنيف» الرئيس في إضراب ينفذه جميع العمال. ويقصد سوريل «بالأسطورة» أيديولوجية مرشدة، أيديولوجية تبشر بنهاية وشيكة للمجتمع الحالي، وتدعو إلى الصراع حتى الموت مع الطبقة الحاكمة، وتجعل من المتمردين أبطالا، وتؤكد على اليقين بالنصر، وتتبنى معيارا أخلاقيا للمجتمع المستقبلي:
في سياق هذه الدراسة، كان هناك شيء واحد حاضر في عقلي، أن الأشخاص الذين يشاركون في حركة اجتماعية عظيمة يصورون فعلهم المستقبلي باعتباره معركة لا مجال للشك في انتصار قضيتهم فيها. وهذه التصورات الذهنية ... أقترح أن يطلق عليها أساطير؛ ف «الإضراب العام» النقابي وثورة ماركس الكارثية أمثلة على مثل هذه الأساطير ... لم يقنط الكاثوليكيون أبدا حتى في أصعب الأوقات، لأنهم كانوا دائما ينظرون إلى تاريخ الكنيسة باعتباره سلسلة من المعارك بين الشيطان والطبقية الكنسية التي يوجد المسيح على قمتها، ولا تعتبر أية صعوبة جديدة تقع سوى حلقة في حرب يجب أن تضع أوزارها بانتصار الكاثوليكية. (سوريل، «خواطر حول العنف»، ص41-42)
يعتبر عزم أوليفر كرومويل الذي لا يلين على خلع الملك تشارلز الأول عن عرش إنجلترا مثالا على الأسطورة عند سوريل.
يؤكد سوريل أن كلا من العنف والأسطورة لا غناء عنهما لتحقيق الثورة ، ومن ثم فإنهما مبرران. ويرفض سوريل أي تحليل علمي محايد للأسطورة، بما في ذلك التحليل الماركسي. يحول سوريل الماركسية نفسها إلى أسطورة؛ إذ إن الالتزام بمبادئها يحرض أتباعها على الثورة. ويشبه سوريل مالينوفسكي في عدم اكتراثه بحقيقة الأسطورة. وفي رأي كليهما، يتمثل مناط الأمر في أن الأسطورة تحدث أثرا متى كانت صحتها موثوقا فيها. وفي رأي سوريل، لا يمكن معرفة الحقيقة النهائية للأسطورة - نجاح الثورة - مقدما على أية حال.
في رأي مالينوفسكي، تشبه الأسطورة الأيديولوجية في تبريرها الخضوع للمجتمع. وفي رأي سوريل، تعتبر الأسطورة «هي» الأيديولوجية في تبريرها لفظ المجتمع. ولا يمكن تطبيق نظرية سوريل بالكامل على حالة أدونيس، الذي يتصرف وحده، ويعتبر ضحية سلبية أكثر منه فاعلا مؤثرا، فضلا عن عدم تأثره بأية أيديولوجية. وتناسب نظرية سوريل الإرهابيين اليوم، الذين تبرر خرافتهم أحداث الحادي عشر من سبتمبر كمرحلة أولى في هزيمة القوة الدولية المهيمنة، أمريكا المشيطنة. ومع هذا، لا يمكن بسهولة معرفة إلى أي مدى توضح نظرية سوريل بالفعل أية أسطورة بخلاف تسميتها كذلك.
رينيه جيرار
لا يقتصر طرح رينيه جيرار، الذي جرى تناول وجهة نظره حول النظرية الطقوسية للأسطورة لفريزر في الفصل
الخامس ، على تغيير العلاقة بين الأسطورة والطقس فقط، بل إنه يغير أيضا العلاقة بين أصل ووظيفة كليهما. لا تنشأ الأسطورة والطقس لتوفير الطعام بل لتحقيق السلام. فيضحى بكبش الفداء، ملكا كان أو شخصا من عامة الشعب، لإنهاء العنف، وليس لإنهاء فصل الشتاء. فالعنف هو الذي يعتبر «المشكلة»، وليس «الحل»، مثلما يذهب سوريل. وتعتبر الأسطورة والطقس وسائل للتكيف مع الطبيعة البشرية وليس مع الطبيعة؛ أي مع العدوان الإنساني.
في كتاب «العنف والمقدس»، يشير جيرار، مثل رجلان ورانك، إلى أوديب باعتباره أفضل مثال على نظريته. فقد كان أوديب بعيدا كل البعد عن التسبب في الفجيعة التي حلت ببلاد طيبة خلال فترة حكمه كملك، ولذا فهو يعتبر، في رأي جيرار، ضحية بريئة. وربما لم يكن هناك فجيعة من الأساس أو أن الفجيعة لم تكن السبب في وقوع الثورة. أو ربما كانت الفجيعة مجازا عن العنف الذي انتشر في المجتمع كالوباء. ويتجلى العنف بين مواطني طيبة في الصراع بين الشخوص الرئيسة في مسرحية سوفوكليس: أوديب وكريون وترسياس. وتتمثل الطريقة الوحيدة لإنهاء العنف ومن ثم الحفاظ على المجتمع في جعل عضو مستضعف في المجتمع كبش فداء. وعلى الرغم من كونه ملكا، يتعرض أوديب للظلم بتشويه سمعته أيما تشويه، ومن ثم استضعافه لأقصى درجة. فهو لا ينتمي إلى الجماعة المحلية، ولا يعرف بانتمائه إلى أهل طيبة، كما لم يعتل العرش بالوراثة بل من خلال قتل الهولة. إضافة إلى ذلك، يعتبر أوديب معاقا نتيجة وخز كاحليه عند الميلاد. وبذلك تعمل الأسطورة، التي جرى ابتداعها بعد سقوط أوديب، على إعفاء المجتمع من اللوم عن طريق لوم أوديب نفسه: قتل أوديب أباه وتزوج أمه. وبسبب جريرة قتل الأب وخطيئة زنا المحارم تمر طيبة بفاجعة. ويطرح ترسياس المسألة على هذا النحو في مسرحية سوفوكليس:
ناپیژندل شوی مخ