خرافه: مقدمه قصیره جدا
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
1
ومثل المتعارضات المعبر عنها في الظواهر الأخرى، فإن أنواع المتعارضات المعبر عنها في الأسطورة لا حصر لها. ويمكن اختزال جميع هذه المتعارضات بوضوح إلى أمثلة على التعارض الأساسي بين «الطبيعة» و«الثقافة»، وهو تعارض ينبثق من الصراع الذي يمر به البشر بين أنفسهم كحيوانات، ومن ثم كجزء من الطبيعة، وبين أنفسهم كبشر، ومن ثم كجزء من الثقافة. ويعتبر هذا الصراع إسقاطا للطبيعة المتعارضة للعقل البشري على العالم. فالبشر لا يكتفون بالتفكير «بصورة متعارضة» بل يعيشون في العالم «بصورة متعارضة» أيضا. بينما يبدو الأمر، إذن، كما لو أن ليفي-ستروس، مثل فرويد ويونج، يجعل موضوع الأسطورة العقل بدلا من العالم، فإن الأمر ليس كذلك. فلا يسعى ليفي-ستروس مثلهم، إلى تحديد الإسقاطات للتخلص منها، إنما يسعى إلى تتبع مصدرها. (يرى ليفي-ستروس في الوقت نفسه أن العالم نفسه منظم «بصورة متعارضة» بحيث تتطابق الإسقاطات البشرية، فيما تحتفظ بطبيعتها، مع طبيعة العالم. ويقرر يونج الشيء نفسه في مذهب التزامن.) وبمجرد تتبع ليفي-ستروس لمصدر الإسقاطات، يمضي إلى التعامل معها باعتبارها خبرات بالعالم، بحيث يصبح موضوع الأسطورة بالنسبة إليه - مثلما هو مع بولتمان ويوناس وكامو - هو الاصطدام بالعالم؛ الاصطدام بالعالم ككيان متعارض، لا ككيان مغاير.
يتمثل أبرز الأمثلة على الصراع بين الطبيعة والثقافة في المتعارضات المتكررة التي يجدها ليفي-ستروس بين الطعام النيئ والطعام المطبوخ، والحيوانات البرية والمستأنسة، وزنا المحارم والزواج من خارج الجماعة. ولا يبدو واضحا كيف ترمز المتعارضات الأخرى التي يجدها - مثل تلك بين الشمس والقمر، الأرض والسماء، الساخن والبارد، المرتفع والمنخفض، اليسار واليمين، الذكر والأنثى، والحياة والموت - إلى الانقسام بين الطبيعة والثقافة بدلا من أن ترمز إلى الانقسام داخل الطبيعة. وبالمثل، لا يبدو واضحا على الإطلاق كيف ترمز متعارضات مثل تلك بين الأخت في مقابل الزوجة، والقرابة من جهة الأم في مقابل القرابة من جهة الأب، إلى شيء آخر بخلاف الانقسام في إطار المجتمع، ومن ثم في إطار الثقافة.
بحسب ليفي-ستروس، تخفف أسطورة أوديب من حالة الصدام بين الطبيعة والثقافة من خلال الإشارة إلى أن البشر يسمحون بوجود حالة موازية من الصدام:
على الرغم من عدم إمكانية حل [توفيق] المشكلة [التعارض] بوضوح، تقدم أسطورة أوديب أداة منطقية تحل محل المشكلة الأساسية، إذا جاز التعبير عن ذلك بصورة مباشرة تماما ... فمن خلال إقامة علاقة ترابطية من هذا النوع [بين التعارض الأصلي والتعارض الشبيه]، تكافئ العلاقة بين تعظيم شأن علاقات القرابة بالتقليل من شأنها [وهو التعارض الأكثر قبولا] العلاقة بين محاولة الهروب من الموطنية باستحالة النجاح في الهروب منها [وهو التعارض المطلوب التوفيق بين طرفيه المتعارضين]. (ليفي-ستروس، «الدراسة البنيوية للأسطورة»، ص82)
لم يرتب ليفي-ستروس عناصر الأسطورة وفق الترتيب الزمني للحبكة، بل وفق الترتيب المتكرر لمجموعتي الأزواج المتعارضة، وبذلك يذهب إلى أن الأسطورة تخفف من حدة الصراع في إطار زوج واحد من المتعارضات، من خلال وضعها جنبا إلى جنب مع زوج آخر مقبول لبيان الاختلاف بينهما. ويتمثل الزوج المتعارض المقارن في «التعظيم» و«التقليل» من شأن «علاقات القرابة». ويشير التعظيم إلى ارتكاب زنا المحارم؛ (أن يتزوج أوديب أمه)، أو مخالفة أحد المحرمات باسم العائلة؛ (أن تدفن أنتيجون أخاها بولينيسس). ويشير «التقليل» إلى قتل الأخ أخاه؛ (أن يقتل إتيوكليس أخاه بولينيسس)، أو قتل الأب؛ (أن يقتل أوديب أباه). ويمثل التعظيم الطبيعة نظرا لأنه غريزي، بينما يمثل التقليل الثقافة نظرا لأنها مصطنعة. وبينما يحلل ليفي-ستروس أسطورة أوديب، ويركز على القتل والجنس في العائلة الواحدة، يبدو متبعا لفرويد، غير أنه يستبعد تحليل فرويد باعتباره صورة أخرى من الأسطورة نفسها، بدلا من اعتباره تحليلا أقل قيمة لها.
في أسطورة أوديب، التعارض المطلوب قبوله هو التعارض بين «إنكار» و«تأكيد» «الأصل الموطني». ويشير الإنكار إلى قتل الوحوش التي تنشأ من الأرض وتمنع ميلاد البشر؛ (قتل قدموس للتنين الذي نبت البشر من أسنانه التي زرعها قدموس في الأرض)، أو تهديد بقاء البشر؛ (قتل أوديب للهولة الذي يتسبب في جوع أهل طيبة). ويشير التأكيد إلى الارتباط الميثولوجي المشترك بين البشر المستنبتين من الأرض ووجود صعوبات في السير (يشير اسم أوديب إلى «صاحب القدم المتورمة».) ويشير قتل الوحوش التي تولد من الأرض إلى إنكار صلة البشر بالأرض، ويشير تسمية البشر بناء على وجود صعوبة في السير إلى تأكيد صلة البشر بالأرض. ويمثل الإنكار الطبيعة؛ نظرا لأن البشر يولدون لآباء من البشر وليس من الأرض، فيما يشير التأكيد إلى الثقافة؛ نظرا لأن الميثولوجيا ترى أن البشر يولدون من الأرض. ولا يكشف ليفي-ستروس أبدا عن كيفية تقبل اليونانيين القدماء لمجموعة واحدة من المتعارضات بصورة أكثر يسرا من المجموعة الأخرى.
في المقابل، تفشل الأساطير الأخرى في تجاوز المتعارضات إلى هذا القدر. وتبين هذه الأساطير أن أي ترتيب بديل سيكون أسوأ. على سبيل المثال، تعمل أسطورة أسديوال الخاصة بقبيلة تسيميهيان الأمريكية الأصلية على:
تبرير أوجه القصور [المتعارضات أي المتناقضات] التي ينطوي عليها الواقع، بما أن المواقف المتطرفة [البديلة] يجري تصورها فقط لبيان صعوبة الدفاع عنها. (ليفي-ستروس، «دراسة أسطورة أسديوال»، ص30)
وبدلا من حل التعارض بين الموت والحياة، تجعل الأسطورة الموت أعلى مرتبة من الخلود، أو الحياة الأبدية:
ناپیژندل شوی مخ